التجربة الكورية والتطلعات الإيرانية

قد تكون إيران وكوريا الشمالية نجحتا في لعبة صرف أنظار الولايات المتحدة عن بعضهما
البعض، فالتجربة النووية الكورية الشمالية ستجعل واشنطن تتحول بكامل قواها من التركيز على إيران إلى سبل مواجهة هذا التحدي الكوري النووي الجديد الذي يتجاوز مجرد تخصيب اليورانيوم، كما هو الحال في إيران، إلى تجربة سلاح نووي بكل مواصفات السلاح النووي.
ويعني ذلك أن المواجهة بين واشنطن وبيونجيانج انتقلت إلى مرحلة جديدة تقترب من مستوى الندية، فقد تطورت كوريا الشمالية من مرتبة الدولة الساعية إلى امتلاك التقنية النووية إلى مرحلة تصنيع السلاح النووي، وإن كان أقل بمئات المرات عن السلاح النووي الذي استخدمته الولايات المتحدة في هيروشيما، ومع ذلك فإن هناك ثمة سلاح نووي في الترسانة الكورية.
وسيمر بعض الوقت لاستيعاب ردود الفعل الحادة والغاضبة على كوريا الشمالية، وستمتلئ الأجواء بآخر ابتكارات الإدانة والتنديد بالفعلة الكورية، وإلى أن يستعيد العالم توازنه بعد هذه الهزة، فقد ينشأ موقف جديد أو تطور في إيران التي تتحين انصراف الأنظار عنها للانكباب على إنجاز نووي يستفيد كثيراً من المهلة التي أتاحتها واقعة التفجير الكورية.
وفي كل الأحوال فإن إيران لن تدع التجربة الكورية تمر دون الإفادة منها بالكامل، ولعل الدرس الأول في هذا المقام هو أن طهران ستمضي قدماً في تطوير قدراتها النووية، فقد ثبت جدياً أن التهديدات بالمقاطعة والتجويع، بل والقصف الجوي لم تزد كوريا الشمالية إلا إصراراً على تطوير برنامجها النووي وصولاً إلى امتلاك القنبلة.
وسيكون كل ذلك بمثابة كتاب مفتوح أمام إيران للنقل منه حرفياً فيما يتصل بآليات مواجهة، لكن الوضع في إيران قد يختلف عن كوريا الشمالية ففي المحيط الإقليمي لإيران هناك حليف لأمريكا شديد الإلحاح فيما يتصل بكبح جماح البرنامج النووي الإيراني، وتضغط إسرائيل بشدة على حليفتها الكبرى الولايات المتحدة للقيام بشيء عسكري ما ضد طهران للحؤول بينها وبين تطوير قدراتها النووية.. ولا تكتفي إسرائيل بذلك، بل هي تبدي استعداداً فعلياً لتنفيذ هذا العمل العسكري وهي تقول إن خططها جاهزة بهذا الصدد..
وفي الصعيد الإقليمي أيضاً فإن البرامج النووية تثير الكثير من القلق لدى المنطقة وبينما تصب واشنطن كل جهودها تجاه إيران فإن دول المنطقة ترى أن هذا النهج قد لا يجدي بينما تحتفظ إسرائيل بترسانة نووية كاملة، وان العمل قد يكون مؤثراً عندما يتم تخليص المنطقة من كل التهديدات النووية بما في ذلك تلك التي تلوح بها إسرائيل..
وعلى الصعيد الإقليمي أيضاً فإن التجربة الكورية ستزيد من القلق القائم أصلاً بشأن البرنامج الذي يتم تطويره على الضفة الأخرى من الخليج وعلى التداعيات المنظورة وبصفة خاصة التهديدات بضرب المفاعلات النووية الإيرانية القريبة من دول الخليج..