Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/10/2006G Issue 12430مقـالاتالثلاثاء 18 رمضان 1427 هـ  10 أكتوبر2006 م   العدد  12430
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

قضايا عربية
  في الصحافة العبرية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

الرأي

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

زمان الجزيرة

الأخيــرة

استرعى انتباهي
المواجهة.. بين طاش ومن (طاش) من طاش
د. عبد الله بن ناصر الحمود(*)

ثمة سؤال مهم جداً: لماذا تزداد الشقّة عاما بعد عام بين (طاش) ومن لا يروق لهم (طاش)؟. إن المتابعة المتأنية لتداعيات عرض سلسلة (طاش ما طاش) خلال سنواتها الأربع عشرة، على قنوات التلفزيون، تشير بوضوح إلى أن هذا العمل الدرامي قد أخذ النصيب الأكبر من النقد الاجتماعي، حتى وصل إلى مرحلة المواجهة المعلنة في كثير من الحالات. وبصرف النظر عن (الولاء) لطاش أو (البراء) منه، أود طرق هذه الظاهرة الدرامية في مجتمعنا وتناولها بشيء من التحليل، لعل فيما أذهب إليه شيئا يفيد كل الأطراف المعنية بهذا الموضوع.
لقد بدأ هذا العمل الدرامي في مرحلة مبكرة نسبيا في تاريخ مجتمعنا، وهي المرحلة التي قلّت كثيرا فيها التجارب الدرامية، بعد أن تمت لأسباب معلنة وأخرى مجهولة قولبة المنتج الفكري الثقافي المجتمعي في قوالب خاصة بمواصفات خاصة ليس (الفن) (كل الفن) شيئا منها. وكان ذلك بعد تراجع ملحوظ في منافذ التفاعل الثقافي بين فئات المجتمع، وإصدار أحكام مجتمعية قاسية على كثير من الفنون الحديثة، واعتقاد كثير من أبناء المجتمع بتجريم هذه الفنون وفي مقدمتها (التمثيل) إجمالا والذي كان محرما لعلة (الكذب) وتقليد الآخرين، ونحو ذلك. وقد كان بدهيا أن يجد الفنانون (الممثلون) أنفسهم في موقع غريب نسبيا. كما كان لزاما عليهم أن يعرفوا وأن يعوا جيدا أنهم منذ أول منتج لهم ينتشر بين الناس، قد سبحوا عكس التيار. ولأن الموضوعات التي كانت تطرق في الثلث الأول من إصدارات (طاش) أشبه ب (طاش الأصلي!! هذه الأيام)، فإنها لم تكن تثير كثيرا من الاهتمام الجماهيري، اللهم ما عدا الترفيه والضحك على أي منتج درامي كوميدي في فترة مضت خلت من الكوميديا التلفزيونية (المحلية على وجه الخصوص).
وليس إلا مع بداية سلسلات الثلث الوسطى للعمل حين بدأ (الرفيقان ناصر وعبد الله) في التوجه لنقد كثير من الممارسات الرسمية في المجتمع، بما شمل عددا من الوزارات والمصالح العامة، وسلوكيات عدد من القطاعات الخاصة. وكان أن حقق (طاش) جماهيرية عالية جدا، وأصبح متنفسا رائعا لتنفيس شعور كثير من الجماهير التي كانت لديها ملحوظات مهمة على أداء عدد من الأجهزة التنفيذية. لقد أصبح (طاش) بتلك الجرأة في الطرح والجودة في الأداء خلال منتصف عمره نموذجا رائعا لكثير من الأسباب، ليس على مستوى الطرح الكوميدي فقط، ولكن أيضا على تطورات مهمة جدا في حريات الإعلام المرئي في المجتمع سجلت به وزارة الإعلام السعودية (حينها)، مكاسب جمة لصالح صناعة الإعلام الأكثر احترافية، والأوسع حرية. وكان أن تزامن ذلك مع إصدار الأنظمة الجديدة للمطبوعات والنشر والمؤسسات الصحفية، والتي اتسمت برؤى عصرية أكثر جدة كسبت فيها الصحف والمطبوعات في المجتمع مكاسب مهمة كثيرة، من أبرزها اتساع دائرة الحريات في الممارسة الإعلامية المطبوعة.
ولعل تلك المكاسب التي حققها (طاش) قد أنسته (البدهية المتجذرة في المجتمع) وهي أنه لا زال يسبح عكس التيار، فجاءت سلسلات الثلث الأخير من العمل أكثر جرأة ورغبة في النقد، دون اعتبار (هذه المرة) لكثير من (الاعتبارات) التي يجب أخذها بعين (الاعتبار). بدأ (طاش) في التوجه باندفاع غير مسبوق لنقد المؤسسة الدينية، باعتبارها مؤسسة تنفيذية يمكن أن تصيب وأن تخطئ. وهنا، بدأت المواجهة الحقيقية.
فعندما كان (طاش) ينتقد إداريا بقوة مؤسسة ما، أو ينتقد سلوك الصف الثاني والثالث في الوزارات والمصالح الحكومية، أو يُعرّض ببعض مراكز القوى الإدارية أو الاقتصادية، في المجتمع، فإن ذلك كان يمكن أن يمر مع قليل من المشادات التي تنقصها وسائط التفاعل المجتمعي، وتتسم بكثير من السرية ومحدودية الانتشار. لكن (طاش) المعاصر، يواجه المؤسسة الدينية عبر منفذين خطيرين جدا في قاموس كثير من أفراد المجتمع السعودي من جانب، وهما بالتأكيد مرفوضان تماما من لدن المؤسسة الدينية من جانب آخر: (الإفراط والتفريط). ففي حين ينتقد (طاش) إفراط المؤسسة الدينية في تفاعلها مع بعض الأمور، فإن ذلك يتم فهمه خارج الإطار الإداري التنفيذي للمؤسسة الدينية لينال (قصدا) من علماء الدين وطلاب العلم والغيورين على ثوابت المجتمع، كما يقول كثيرون. وعندما ينتقد (طاش) تفريط بعض فئات المجتمع، فإن ذلك يترجم تلقائيا باعتباره دعوة صريحة للتبرج والسفور وانتهاك كثير من حرمات المجتمع المسلم.
وليست الليلة كالبارحة. جهات النقد المعاصر في (طاش) تمتلك منابر كبرى مهمة يمكنها تمرير احتجاجاتها عبرها، ومن ثم تكوين قوى ردع مجتمعية كبرى لن تكون بردا وسلاما على (طاش). تلك المنابر التي تستند إلى المرجعيات الشرعية المستقرة في أعماق الناس، والتي عملت خلال عقود كثيرة على كسب ولاء الجمهور وثقته الكبرى. ومن هنا بدت الشقة تتسع بين (طاش) وبين كثيرين لا يروق لهم (طاش)، أبدا. ولأن المجتمع لا يمتلك مهارة احترافية في إدارة الاختلاف، نأى كل فريق بما لديه.
وبدأت جولة جديدة من (طاش)، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عندما أقحمت السلسلة (موضوع الإرهاب) وتداعياته في حلقاتها، لتصل المواجهة بين الجانبين ذروتها. وفاض الكيل عندما انتقل بث السلسلة - هذا العام - إلى قناة خاصة ليس لديها كثير من الخطوط الحمراء على مستوى (الإفراط) أو (التفريط) عندما يكونان موضوع نقد (طاش). هكذا اتسعت الشقة بين (طاش) ومن لا يروق لهم (طاش)، فكيف يمكن مواجهة الموقف من أجل مستقبل أفضل لمنابر اختلافنا؟
إن النظرة المتأنية تشير إلى أن كلاً من الفريقين قد عمل في معزل عن الآخر، وذلك من وجهين:
الأول: إن (طاش) وفي معرض انتقاده للمؤسسة الدينية راح ينتج حلقات موغلة في النقد، وفاقدة لعدد من مكونات العمل الدرامي الأفضل، وبخاصة -هنا- (الرمزية). فمن بدهيات العمل الدرامي ما اصطلح على تسميته (المعادل الموضوعي) أو (الرمزية) التي تستخدم ذكاء الجمهور لإكمال النص، أو لإكمال الصورة. إن انتقاد موضوعات (سيادية) في المجتمع بهذه المباشرة، وبهذا التصريح المفصل بموضوع النقد، لن يكون خيارا جيدا في عمل درامي (يسبح ابتداء عكس التيار). إن كشف أو (فضح) المستور بهذه الطريقة، سوف يوصم بالتجني ومحاولة إغواء الناس. ومن هنا، كان على (الرفيقين) أن يتحريا السلامة والصواب، وأن يزنا الأمور بميزان (المصلحة) و (المفسدة)، وأن يدركا أن انتقاد سلوك المؤسسة الدينية محفوف بمخاطر كبرى، بعضها (حقيقي) يجب التنبه إليه وتركه، وبعضها (سيادي) لن يهون على المؤسسة، فيجب التعقل عند تناوله وامتلاك مهارة علمية ومهنية عالية لانتقاده.
الثاني: إن اتجاه بعض أفراد المجتمع -عبر منابر متعددة- لتأجيج الاختلاف مع (طاش)، وقدحه، وقدح أشخاصه، ليس عملا بناء على الإطلاق. ففي الوقت الذي يمكن فيه الاختلاف مع (طاش) من لدن مؤسسة (سيادية)، فإن على هذه المؤسسة أن تأخذ بالمبادرة في التقريب، والتوضيح والتبيين، تحقيقا لرسالتها الإصلاحية، وأداء لمهمتها السيادية. كما أن عليها الإقرار بقدر من مساحة النقد، وبخاصة من لدن قادتها ومستشاريها، الذين عليهم النظرة الموضوعية للموقف، وتغليب (المصالح) أيضا على (المفاسد) وتوجيه الناس، وفق رؤية قابلة للتغير إلى الأفضل، وبذل الجهد نحوه، والإقرار بلغة (الدراما) والأعمال الفنية، مع توضيح رؤاها المتخصصة المطوّرة نحو ذلك، وضوابطها. والأهم من هذا كله، قطع الخطوط المؤدية لمزيد من الاختلاف.
إن مجتمعنا اليوم، يعبر مرحلة مهمة جدا في تاريخه المعاصر، ويسعى لتجاوز مخاض كبير لأن نكون أفضل بإذن الله. وحتى نكون كذلك، فإننا دائما بحاجة إلى عقلائنا أن يأخذوا بنا نحو مزيد من التعقل، وأن نتقارب دائما، وأن نراجع منتجاتنا وفق وصفتنا المجتمعية التي لن تتحوّل: (الثوابت). وليكن ما دون ذلك ميدانا رحبا نختلف فيه لنتجاذب أطراف الاختلاف بحرفية ومهنية محترمتين ثم لن نلبث أن نتفق.

(*) نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال

alhuoodmail@yahoo.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved