| |
هذه دماؤنا رخيصة لأجلك شارون فلتمُت قرير العين عادل علي جودة*
|
|
عبّرتُ بالأمس، تحت عنوان (حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إرادة شعب لا يقهر)، عن غبطتي بالتهاني الكثيرة المتنوعة التي زفّها إليّ الأحبة بفوز (حماس) لتكون خيار الشعب الفلسطيني في حمل لواء القيادة في مرحلة مهمة من مراحل المقاومة والجهاد نحو التطهير والتحرير والاستقلال، ولم أتردد وقتئذ في تسجيل قلقي إزاء قبول حماس خوض الانتخابات، ومن ثم إزاء فوزها وتشكيلها الحكومة الفلسطينية؛ وذلك بسبب ما تشهده الساحة الفلسطينية وما حولها من تحديات وعواصف صاعقة طالما تنهدت بعمق وأنا أدعو الله جلت قدرته ألا تُعمّق جراحاتنا، وألا تزيد من شتاتنا وتقتل ما تبقى من وحدتنا، فتقضي على أمانينا وتبدد أحلامنا. كان ذلك بتاريخ 2-3-2006م، أي قبل سبعة أشهر بالتمام والكمال من يوم الأحد 1-10-2006م، حينما صعقتني الفضائيات وهي تنقل أخبار الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني على أرض غزة هاشم!. أية دمعة هذه التي تحرق مقلتي؟!.. سبعة قتلى ومائة وعشرون جريحاً في إحصائية أولية!.. تماماً كما كان يفعل بالإنسانية شامير ورابين وبيريز وباراك وشاورن وأولمرت، ومَن سبقهم!. يا إلهي.. ما الذي يحدث؟ أيُقتل أبناؤنا برصاصٍ غير صهيوني؟! أيعقل أن يقتل رصاص حماس أبناء فتح، ويقتل رصاص فتح أبناء حماس؟! يا للعار! ماذا دهاكم؟ أتقتلون أنفسكم بأيديكم وبأسلحتكم؟ أي انتحار هذا شلت أيديكم؟ أفسدتم بطولاتكم، وأخزيتم أهلنا الصامدين الجائعين الصابرين! وحققتم لأعدائكم ما لم ينجحوا في التخطيط له ليل نهار على مدى عقود طويلة. نعم شارون، آن لك أن تموت هانئ النفس، قرير العين، مبتسم الشفتين، فإن ما تراه اليوم صحيح: فئتان سفيهتان من أبناء الشعب الفلسطيني تريق كل واحدة منهما دماء الأخرى، ويقدمانها إليك تافهة رخيصة على طبق من الخزي والخيانة والعار!.. اطمئن شارون، لم تعد هنالك خطوط حمراء، وكل ما كان يقال هراء، ماتت الأصالة، ودُفنت الحميّة تحت الثرى.. نعم أولمرت آن لك أن تضحك وتقهقه؛ فها هم قادة فلسطين يجوّعون شعبهم ليشتروا بالأموال أسلحة توجَّه إلى الصدور الفلسطينية، لقد آن لك أن تُخزِّن أسلحتك، وتريح جندك، كيف لا وقد غدا قادتنا ذراعك القذرة وحقدك الدفين! لا تقلقوا بنو صهيون، ضعوا رؤوسكم على وسائد من حرير، اشعروا بالأمن والأمان؛ فالمنتسبون لهاتين الفئتين الذين حرموكم من كل ذلك تخندقوا لتصفية أنفسهم بأنفسهم!.. واخزياه منكم يا قادتنا! ماذا نقول للشامتين الحاقدين؟ وبأي عين ننظر إلى محبينا الذين ما انفكوا يتغزلون (نثراً وشعراً ونشيداً) ببطولات استشهاديينا واستشهادياتنا؟!.. العجيب أنني في كتابتي تلك خشيت أن يظن البعض تأييدي لحزب على حساب آخر، وبذلك أكون قد جرحت مشاعر هذا البعض، فسجلت أنني لم أنل شرف الانتماء لا إلى حماس ولا إلى فتح ولا إلى غيرهما، وبالغت في التعبير بقولي: (إنما أنتمي إليها جميعاً، كيف لا وأجمل نقطة تلتقي عندها هي فلسطين)، واليوم بعد أن مات الإحساس في حَمَلة السلاح من تلك الفئتين، وانعدم الحياء فيهم، أعتذر لنفسي من نفسي على ذلك القول؛ فالحقيقة تقول إن أبعد نقطة تلتقي عندها هي فلسطين، فأحمد الله حمداً كثيراً أنني بريء منها، وأدعو أولئك الذين لم يُقتلوا بعد من حملة السلاح، إن بقي في وجوههم ذرة حياء، إلى أن يخلعوا أزياءهم المختلفة، ويُسقطوا أعلامهم المتناحرة ويدوسوا شعاراتهم الكاذبة، فلا رايات بعد اليوم غير راية فلسطين، عليهم أن يستغفروا الله من ذنبهم، ويوجهوا أسلحتهم نحو عدوهم الذي ما زال يحتل أرضهم، ويقيم جداره القاهر، ويحاصرهم، ويسخر من سخافة مَنْ ظن أنه أقام دولته وبدأ رحلة الصراع على الكرسي!.. فالأجواء ما زالت محتلة، والحدود مقفلة، والأبواب موصدة، حتى الزفير لا تملكونه.. أفيقوا فغزة سجن وليست دولة، وهي لا تمثل الحد الأدنى من حقوقنا، هناك الضفة الغربية، وهناك القدس، وهناك أراضينا التي طرد منها آباؤنا وأجدادنا عام 1948م، ثم هل نسيتم حق العودة؟!.. والعتب كل العتب على أبي مازن؛ وقد كان رفيق درب في الحقبة الزمنية الطويلة التي قضاها إلى جوار الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، رحمه الله، الذي غلبت دماؤه الفلسطينية كل الاعتبارات؛ حمل الهمّ الفلسطيني باسم الشعب الفلسطيني كله دون تفريق، وما أن مضى أسبوع على وفاته حتى غير الإعلام الفلسطيني، بقيادة قناة فلسطين الفضائية، لباسه ليصبح ناطقاً باسم فتح ومسقطاً أطياف الشعب الأخرى. ومع احترامي الشديد (أيضاً) إلى قادة حماس أتساءل: نجحتم في المقاومة والجهاد، ونجحتم في عدم الاعتراف بإسرائيل، وهذا كله رائع ومطلب للشعب كله، ولكن هل نجحتم في وضع برنامج سياسي يداوي الجروح ويعد العدة لرحلة الحرية والتحرير؟ وهل للحرية تفسير آخر يحرم المطالبة بالحقوق ويحلل تكميم الأفواه وكتم الأنفاس؟ ألا يحق للعامل المسكين أن يخرج إلى الشارع ليطالب بقوت نفسه وأبنائه؟ وحول الأمر الأدهى أتساءل كذلك: أين أنتم من قول الله سبحانه وتعالى {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}(28)سورة المائدة! فهل من إجابة؟. ويا أهلنا ويا أحبتنا في فلسطين نقدم لأنفسنا ولكم العزاء والمواساة في موت قادتنا، نعزيك يا أم الشهيد، ونعزيك يا مَنْ هُدم بيتك وتنتظر من يعمره لك! نعزيك يا مَن قُتل أبناؤك برصاص العدو بالأمس وبرصاص ابن القضية والدم والتاريخ اليوم! ونعتذر منكم يا شهداءنا الأبرار، نعتذر منك أيها القائد الشهيد ياسر عرفات، ومنك يا شيخنا الجليل الشهيد أحمد ياسين، ومنك يا شيخنا الجليل الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي، نطأطئ رؤوسنا أمام إيمانكم الصادق وقلوبكم العامرة، ودمائكم الزكية، ثم نهنئكم باستشهادكم قبل أن تشهدوا عقوق تلاميذكم وأبنائكم وهم يقتلون بعضهم بعضاً! ونحزن من أجلكم يا قتلى اليوم؛ فلا نلتم شهادة، ولا أحرزتم نصراً، بل حصدتم الخيبة والذلة والمهانة؛ هدرتم دماءكم لتفسد الأرض وتلوث دماء الشهداء!.. ونعتذر أخيراً منكم يا شعوب عالمنا العربي ويا شعوب عالمنا الإسلامي! ليت فئتينا صمتتا مثل صمتكم! رمضان كريم.. والعيد آت.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
(*)عضو تجمع الأدباء والكُتّاب الفلسطينيين - الرياض
aaajoudeh@hotmail.com |
|
|
| |
|