| |
الرئة الثالثة جيلُنا النفطي: متى يبلغ سنَّ (الفطام) من الترف؟! عبدالرحمن بن محمد السدحان
|
|
* يتمتع جيلنا الحاضر بأغلبية ساحقة ضمن تركيبتنا السكانية.. وتلك حقيقة يرددها المخططون في هذه البلاد ومثلهم الإحصائيون، وأزعم أن كثيرين من أفراد هذا الجيل ولدوا وفي فم كل منهم (ملعقة من نفط)، ولذا، جاز لي اصطلاحاً أن اسميه بلا تردد (جيل النفط)! * * * هناك جدل يمس بعض جوانب هذا الموضوع حيال مدى حضور النفط أو غيابه في (تشكيل) هذا الجيل، خلقاً وعقلاً وسلوكاً، فهناك من يرى أن النفط قد أفسد طباع بعض قطاعات هذا الجيل، ترفاً في الحس، واستخفافاً بالقيم، واستلاباً بكل جديد من فنون العيش المادي وبدعه وأنماطه! * * * وهناك من ينقض القول السابق زاعماً أن بعض شرائح هذا الجيل قد أساءت التعامل مع (نعمة) النفط، فحولتها إلى (نقمة) في عيون بعض من لم يؤتوا من تلك النعمة إلا قليلاً، غير أن الحقيقة التي تتمرد على كثير من الجدل في تقديري هي أن النفط ليس (فاعلاً) للأذى ولا (نائب فاعل)، إنما هم البشر المستهلكون له الذين لم يحسنوا التعامل معه باستثماره استثماراً سوياً لا يُنسيهم كيف كانوا يعيشون، ويعينهم في الوقت نفسه على تقويم أنفسهم وتحضيرها للقادم من الأيام! * * * وبدلاً من ذلك، انزلق البعض في متاهات الحسِّ الماديّ انزلاقاً ألهاهم عن (التفكر) في أنفسهم و(التفكير) في الآخرين معهم، بدءاً بأولياء أمورهم، بعضهم امتطى صهوة الغرور اعتداداً بما يملك، وهو الذي لم يشقَ في طلب العيش أو ينزف قطرة عرق وصولاً إليه، وبعضهم الآخر أضحى يخلط بين الكبرياء والثقة في النفس، فلا يرى قيمة لآخر يفوقه علماً أو سناً أو منصباً! بات حبُّ المال وما يرمز إليه من قول أو عمل مثله الأعلى وغايته! * * وبعد، * فقد يكون فيما سلف من القول شيء من غلو، وهو أمر لا أنكره، وقد يكون فيه شيء من تعميم، وهو أمرٌ لا أصر عليه، لكن جل ما قيل، بعيداً عن شبهتي الغلو أو التعميم، لا يخلو بأي حال من شيء من (الحقيقة)، قد يراها البعض كاملة، وقد يراها البعض الآخر (نصف حقيقة)، لكنّها في المطاف الأخير دخان لا يصدر إلا من نار، وهذا هو المهم، أول الأمر وآخره! * * * تعالوا بنا الآن نستعرض مظهرين اثنين من افرازات (العقدة النفطية) في سلوكيات بعض شرائح جيلنا، وأزعم هنا أن نسبتها إلى (النفط) لا تعني الإدانة له، أو التحريض عليه، فالله سخّره لنا ليكون عوناً لا عبئاً، والخير كل الخير فيما وهبنا الله إيّاه زينة للحياة الدنيا من نفط وسواه، والبلاء كل البلاء من أنفسنا، ممثلاً فيما لم نحسن صنعا في استخدامه، على نحو لا يُعشي أبصارنا عن باقي الأمور الصالحات لنا، ديناً ودنيا! * * * يُقال (والعهدة على من قال) ان الشّاب (النفطي) قد يستحي أن يلتقي والده المسن.. برفاقه وصحبه.. من الشباب.. بحجة أنه (سلفيّ) الطبع، ضحل الثقافة، ويقال مثل ذلك ان الفتاة قد تستحي.. أن تغشى والدتها مجلس صديقاتها.. للعلة ذاتها! * * * ويقول (المصدر ذاته) ان الشاب (النفطي) يعيش لحظة وجوده: - بلا حلم، .. بلا رؤية.. بلا انتماء، وبلا تخطيط، غاية مراده أن يخطف أي شهادة. ويفضلها جامعية.. وأن يشغل أي وظيفة.. ويفضلها حكومية.. ثم يسلم نفسه لمشوار حلم طويل.. تنتصب على ضفافه.. رموز الترف المادي.. بدءاً بالسيارة الفارهة.. والدار الفاخرة، ثم السفر صيفاً وشتاءً.. سياحة في أرض الله عبر مراتع اللهو الحلال وشبه الحلال! * * أما بعد.. * فقد حملت السطور السابقة.. (أضغاثاً) من أحلام وأماني ورؤى تتعلق بما اسميته اصطلاحاً في فاتحة هذا الحديث ب(جيل النفط)، وازعم انني ربما كنت محقاً في بعضها، مغالياً في بعضها الآخر، مخطئاً في بعضها الثالث، وغامضاً في بعضها الرابع، لكنني، في كل الأحوال كنت أمارس (الاحتراق) في كل حرف كتبته حباً لهذا الجيل، وخوفاً منه وخشية عليه، وكان الله.. ثم الوطن وأهل هذا الوطن مرجعي وحجتي وسندي في كل ما كتبت. فإن أصبت فمن الله.. وان اخطأت.. فمن نفسي.. ومن الناس!
|
|
|
| |
|