الحبر الأخضر
إن للخير رجالاً.. وللأيتام آباءً.. د.ناصر الرشيد (نموذجاً) 1 - 2
أ.د.عثمان صالح العامر

بدعوة كريمة وعزيزة على نفسي تلقيتها من الأخ الفاضل صالح بن إبراهيم الرشيد كان لي بداية هذا الأسبوع وعلى وجه الخصوص بعد مغرب يوم السبت 15-9-1427هـ شرف حضور توقيع عقد إنشاء وبناء مركز الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد لرعاية الأيتام في مدينة حائل، الذي سيُقام على مساحة تزيد على 30.000م2 وبتكلفة تصل إلى مئة مليون ريال تشمل التشييد والتأثيث والتجهيز.. ومع أهمية الحديث عن هذا المشروع لتميُّزه وتفرُّده عن غيره من المشاريع الخيرية المماثلة إلا أنني أجد نفسي منساقاً جبراً للحديث العاجل والمختصر عن صاحب المشروع قبل أن أعرض لهذا المشروع الرائع بكل ما تحمله الكلمة الذي هو بحق هدية غالية ولؤلؤة جديدة يقدمها ابن حائل البار لأرض الجبلين التي طالما احتضنت وحظيت بالأخذ من بحر جوده في ضروب أعمال الخير والنماء ومن أجل البناء وستظل وفياً أيها الرجل لكل باب من أبواب الخير وعلى أي شبر من أرض وطننا المعطاء.. لقد لفت نظري منذ بداية اللقاء الذي حضره عدد من الإعلاميين محررين وكُتَّاباً ومن مختلف الصحف والمجلات بأنني أمام رجل إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لم يكن يتحدث من فراغ، بل كان يملك رؤية واضحة ومفهوماً عميقاً وينطلق من أسس ثابتة في كل ما يحكيه عن مشاريعه الخيرية وأعماله الإحسانية، بل وحتى في حياته العملية وبرامجه الذاتية.. كنت حين قدمت لحضور هذا اللقاء متحفزاً ومنتظراً حديثاً اقتصادياً صرفاً أشرف بسماعه من لدن خبير.. كنت أتوقع أننا في ذلك المساء المنصرم سنكتفي بسماع أرقام ونطلع على أوراق حائطية تحكي مراحل المشروع هندسياً ومعمارياً، وإذ بكل ذلك مع وجوده يتقازم أمام الرؤية التي يحملها الدكتور ناصر الرشيد التي أخذت حيزاً من تفكيري منذ سمعتها منه حتى لحظة كتابة هذا المقال.. المال في نظره مهم جمعه لكن الأهم كيفية إنفاقه وصرفه.. ومع أهميته فهو لا يعدو أن يكون وسيلة لغايات أعلاها عنده الوقوف بجانب الضعيف وذي العوز والمحتاج خصوصاً المريض، وإرادة الله عز وجل جعلت موقفاً مقدَّراً ومكتوباً عليه جرى له قبل ثلاثة وعشرين عاماً سبباً لزرع هذا الشعور العميق لديه والتلذذ بدفع المال والصرف عليه.. ومع أن الدكتور ناصر عالمي المكان، شمولي النظرة, إنساني التبرع.. إلا أنه وطني حتى النخاع، فعالمية المكان لم تزحزح مشاعره المتّقدة والحية في ذاته نحو بلاد الحرمين، وسحر الجزر، ومفاتن المدن الحضارية، وتمدُّنها ورقيها لم يسلبه ما في قلبه من مشاعر نحو مدينة وبلد أهله وأجداده حائل.. ونظرته الشاملة التي هي أيضاً ذات صبغة عالمية لم تزعزعه عن قيمه وقناعاته ولم تؤثر في منطلقاته وسماته فهو يتحدث عن الغرب من خلال قراءة متبصر وعارف بمكمن الداء في البناء الحضاري لهذه الأمة ومدرك وبوعي ثاقب أين نحن في خارطة الفكر الغربي؟.. أما عن إنسانية التبرع التي يشهد عليها ما قدَّمه وما يقدِّمه الدكتور من تبرعات سخية في بلاد كثيرة من أرض الله الواسعة فإنَّ هذا الأمر لم يصرفه عن أن يتبرع وبسخاء ومنذ ما يزيد على ربع قرن على أي وجه من وجوه البر والخير والإحسان في أي شبر من هذا الوطن المملكة العربية السعودية.
متى ما وجدت القناعة لديه بأهمية ذلك وشعر بالحاجة الماسة إليه.. ولا أريد أن أتوسع في الحديث عن هذا الباب لما أعرفه عنه من عدم رغبته في الإطراء والمديح والإشادة، بل حتى الإشارة والكتابة عن أي مشروع يقوم به ويتبناه إلا إذا كان ذلك من باب حفز الهمم والتشجيع على فعل الخير والتسابق في البذل والعطاء.. ومع ذلك فإنني أشير هنا إلى ملمح مهم جاء عرضاً في ثنايا ما سبق من أن نظرة الدكتور الرشيد للمال جاءت نتيجة موقف جرى عليه قبل ثلاثة وعشرين عاماً حين كان ابنه الأكبر فهد مريضاً بسرطان الدم وذهب لعلاجه في مركز سان جود لعلاج سرطان الأطفال في ولاية تينيسي.. إن هذا الموقف الذي هزّ مشاعر الوالد الذي كان مرافقاً مع ولده في الولايات المتحدة الأمريكية كان سبباً بعد توفيق الله ومباركة ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - آنذاك وكذا ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حينما كان سبباً لميلاد مركز الملك فهد لأورام وسرطان الأطفال بالرياض الذي أنشأه الدكتور ناصر بتكلفة إجمالية بلغت 470.000.000 أربعمائة وسبعين مليون ريال، ويُعد هذا المركز الذي يُعنى بأبحاث وعلاج الأطفال المصابين بالسرطان المركز الثاني على مستوى العالم المتخصص في هذا المجال.. كما قام مؤخراً بالتبرع بإنشاء التوسعة الجديدة بالمستشفى الذي سينتهي العمل فيه نهاية هذا العام 1427هـ بمبلغ قدره 23.000.000 ثلاثة وعشرون مليون ريال.. إن هذا البعد في شخصية الدكتور ناصر يدل وبوضوح على ما غُرز في ذاته من حب للجود والبذل في سبيل الخير ومن أجل إسعاد الآخرين ومساعدتهم وكما قال هو: (ما ذنب من لم يستطع أن يصل إلى سان جود..؟) والشيء بالشيء يُذكر فإن الصيام ونحن في أيامه المباركة ولياليه الخيرية شُرع لحِكم من بينها: ليتذكر القادر على الأكل والشرب مما يشتهي حاجة المعوز وذا الحاجة فيدفع له ما تجود به نفسه وبهذا يحصل التكافل وتقوى وشائج الإخاء بين طبقات المجتمع الاقتصادية.. قِيل لحكيم: هل شيء خير من الدراهم والدنانير؟ قال: نعم معطيهما.. والكرماء هم سادة الناس، وشموس الدنيا وكم من رجل أطلق بالخير يده، فخلد ذكره بعدما أنمحى رسمه، وعَظُم صيتهُ بعد موته، لما بذل من معروف، وما صنع من خير، ومن بذل دراهمه أحبه الناس طوعاً أو كرهاً ومن غَرز عوارفه كَثُرَ معارفه وصاحب المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكأً (وصنائع المعروف تقي مصارع السوء). وللحديث بقية - بإذن الله -....