| |
لا للمغالاة ولا للمجافاة 2-2 د.عبد الله بن عبد العزيز المعيلي
|
|
الفريق المغالي ضيق واسعاً، وحصر نفسه في مواقف ضيقة، وأفهام محددة، ولم يستوعب المتغيرات ويقرأ الأحداث قراءة صحيحة بعيدة في رؤيتها، لذا بقي أسير فهمه، وسيطر عليه هاجس من الخوف والخشية من أن يتخلى الناس عن ثوابت الدين وقيمه ومسلماته، فكان الخطاب حادا، منفعلا، متوتراً، متسرعاً، ولا يخفى على لبيب أن لهذا الخوف والخشية ما يبررهما، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك تبقى المطالبة بأن يكون الخطاب والتخاطب أكثر حكمة، وهدوءاً، واستيعاباً للمواقف وللآخرين، لأن أصحابه يمتلكون مقومات تؤهلهم لذلك، (فلن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه) فطالما أن الغلبة لهذا الدين، وهي كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلماذا الانفعال؟ لا ينفعل إلا من يشعر بالهزيمة، ومن يتمسك بهذا الدين فلن يهزم أبدا، وبالتالي لا داعي للانفعال، والاضطراب، والتشنج في المواقف، فهذا ما يفرح به المجافي، ويشعره بالانتصار، لأنه استطاع أن يخرج الطرف الآخر عن طوره، ووقاره، فالمجافون هم الأولى بالانفعال، والاضطراب، لأنهم يسعون إلى إخراج المجتمع معهم خارج إطاره، وثوابته، وقيمه، وهذه مهمة مستحيلة، ولا شك أن من يسعى إلى تسويق هذه المهمة سوف يصدم بمواقف صلبة، لا ولن تلين، لأن المخزون الثقافي والقيمي والأخلاقي للسواد الأعظم في هذا المجتمع لن تقبل بهذا، ولن تتفاعل معه، ولهذا فالمطلوب مزيد من الحكمة والأناة واللين في التعامل مع الآخرين، وفي التعريف بهذا الدين الذي ارتضاه الله تعالى للبشرية كافة، وتقريبه إلى أفهام الناس، وبيان تطبيقاته العملية التي تتفق مع الفطرة، وتتوافق معها، ومنهجه السمح في التعامل مع المخالف، مع استغلال الشواهد التي تبين انتكاسة المجتمعات التي ظاهرت فطرة الله، وسننه، وتشريعاته، وأخص ما هو معلوم ومعروف في الجانب الاجتماعي والأخلاقي في تلك المجتمعات، فهذه كفيلة بالتصدي لدعوات المجافين المهرولين وراء سراب دعوى الانفتاح والتحرر من بعض قيم الدين وأخلاقه، هذا عطفا على كون هذه الدعوات تطالب بأمور ثبت فشلها في عقر دارها، فكيف بها في دار المسلمين، ومن المطلوب أيضا بيان تشريعات الدين وأحكامه التي تؤكد النتيجة التي تعيشها تلك المجتمعات لكونها خرجت عما يتوافق مع الفطرة، هذا الجهد يحتاج إلى عقول مفكرة مستوعبة لكل الأحداث والمتغيرات، تسعى بجد ووعي إلى إظهار معاني الإسلام الجليلة، وتلتزم قيمه وأخلاقه، ومنهجه في الدعوة، والاستيعاب والاحتواء والتأثير في الآخر من خلال وسطية التناول والتعامل، فهذه الأدبيات أصيلة في الدين الإسلامي، حيث ساد بها الدنيا شرقا وغربا، وما زال قادراً على التأثير نفسه متى ما تسلم زمام أمره من يستوعب مضامينه العظمية منهجا وأسلوب حياة.
|
|
|
| |
|