| |
سلمان بن عبد العزيز أب لـ(20.000) طفل يوسف بن أحمد العثيمين*
|
|
بمناسبة الاحتفاء بمرور (7) سنوات على تأسيس وانطلاقة الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض (إنسان) لا بدَّ من كليمات.. سداداً للدين، واعترافاً بالفضل، وامتناناً للدعم. عندما شرفت بتكليف من الأمير الإنسان سلمان بن عبد العزيز لإدارة جمعية (إنسان)؛ الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في منطقة الرياض، عام 1420هـ كانت - حرفياً - جمعيةً على ورق.. إذ كانت للتوّ حاصلة على الترخيص الرسمي اللازم من الدولة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية لمزاولة نشاطها الاجتماعي والإنساني، وسلّمني - عندئذٍ - أمينها العام الأخ الدكتور حمود البدر (ملف علاقي)، وقال: هذه هي الجمعية، وانطلق على بركة الله. لملت بعض الأوراق من (رف) في إحدى غرف (الغرفة التجارية بالرياض)، كان قد خصّصها رجل الأعمال الطيب الأخ عبد الله المقيرن بجهد ذاتي لتكون مقراً مؤقتاً للجمعية.. استأجرنا حينها (دوراً) علوياً في بناية متواضعة شرق الرياض، وبدأنا العمل بمؤازرة ودعم وتشجيع من لجنتها التنفيذية، وكانت البداية في شهر رمضان من ذلك العام باستقطاب نخبة صغيرة متميزة من خيرة أبناء وبنات الوطن ليشاركوني (حلم) بناء جمعية خيرية متخصصة في رعاية أيتام المنطقة بأسلوب عصري وذائقة محلية، وعملت متطوعاً بالوقت والجهد، معتمداً - بعد الله - على ما اكتسبته من خبرة خلال سنوات عملي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. لقد كانت المهمة (تحدياً) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. تحدياً لي كمتخصص في الشأن الاجتماعي، وتحدياً لي باعتباري أنتمي - حينها - لوزارة مسؤولة على الإشراف على هذا النشاط الاجتماعي والإنساني، وتحدياً لي كون الأمير سلمان رئيساً لمجلس إدارتها.. وهو مَن هو في حرصه والتزامه ودقته ومتابعته للصغيرة قبل الكبيرة.. وكون الأيتام، كشريحة من المجتمع، لها مكانة خاصة في قلب هذا الأمير الذي (تساقطت) دموعه ذات مساء أمام الملأ وفرت من عينيه دون خجل في مهرجان خُصِّص ل(لفت) أنظار المجتمع لقضيتهم، فوشى هذا الموقف بما تنطوي عليه جوانحه من عاطفة تجاه هذه الشريحة الغالية من المجتمع. كانت أجواء انطلاقة هذه الجمعية جد احتفالية يملؤها التفاؤل، ويحدوها الأمل المدفوع برغبة العمل لدرجة أن التبرعات حينها لم تقتصر على المال على أهميته، بل وصلت إلى درجة التبرع ب(البنات).. نعم التبرع بالبنات.. وفتح باب هذه التبرعات شيخ أهل البر في الرياض الشيخ محمد بن صالح بن سلطان بابنته (جواهر).. لقد كان - رحمه الله - له من اسمه نصيب؛ ففضله محمود، وفعله صالح، وفي تعامله سلطان. تشكلت اللجان، وبدأت حملات التبرع، ووضعت الخطط، ورسمت السياسات الاجتماعية والرعائية لأيتام الجمعية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وخرج هذا الجهد العلمي في (وثيقة) أعتز بها ما حييت مع زملائي وزميلاتي في الجمعية، حيث تم الإصرار على عدم (نزع) الأيتام من بيئاتهم الطبيعية، والحرص على إبقاء رعايتهم ضمن مَن تبقى من أسرهم: أمهات وأعمام وأخوال؛ إذ ثبت - علمياً وعملياً - أن بيئة أسرية ناقصة (أفضل) مليون مرة لنشأة ورعاية اليتيم ونموه من مؤسسة اجتماعية داخلية مهما كانت متقدمة في خدماتها. وتبلورت ملامح هذه الخطة الاجتماعية الرعائية لأيتام الجمعية متكئة على جملة من المبادئ التي توفر لليتيم بيئة اجتماعية ونفسية وتربوية ورعائية سليمة تساعد على نموه ونشأته نشأة كريمة متوازنة داخل أسرته عبر قيام الجمعية بتوفير طيف واسع من ألوان الرعاية لليتيم في الجسم والعقل شملت: المطعم والملبس، واللوازم المدرسية، ومعالجة المشكلات التي قد يتعرض لها في المدرسة أو المجتمع، وتقديم الاستشارات القانونية، فضلاً عن فرص التعليم والتدريب والعمل والابتعاث وغيرها؛ ليحصل اليتيم على فرصة متكافئة مع أترابه غير الأيتام في التربية والتعليم والتفوق والترفيه والاندماج في المجتمع، وليكون مواطناً نافعاً لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه. ثم تحولت هذه الخطة الشاملة للجمعية إلى واقع مُعاش، وإلى برنامج عمل يومي لنا وللإخصائيين والإخصائيات في مختلف التخصصات الاجتماعية والنفسية والتربوية.. وبدأت الجمعية - تدريجياً - برعاية الأيتام وتقديم خدمات الاجتماعية، وتحولت خلال هذه السنوات من مجرد فكرة تراود الأذهان إلى مؤسسة اجتماعية ترعى الإنسان، ومن مجرد (دكان رعاية) صغير يصرف نتفاً من المساعدات القليلة إلى مؤسسة اجتماعية راسخة تنشر مظلة خدماتها ليستظل تحتها اليوم (20) ألف يتيم من الجنسين، وتمدّدت أغصانها فروعاً داخل مدينة الرياض، ثم منطقة الرياض، لتقرب (نقاط الخدمة) إلى حيث يعيش هؤلاء الأيتام، ولتكون (الأب البديل) واليد الحانية لمن اختطفت يد المنون عائلهم. كما أصبح للجمعية مقرّ رئيس يتربع شامخاً على أرض من (أعز) المواقع التجارية استثماراً في طريق الملك فهد في الرياض؛ مما سيوفر للجمعية دخلاً ثابتاً ومستقراً يحميها من عوادي التذبذب في التبرعات، وانضم إليها الأمير الشاب د. فيصل بن سلمان ليضيف إليها بحيويته وخبرته الإدارية والمالية البعد الاستثماري الذي تحتاج إليه أية جمعية خيرية ذات طبيعة تطوعية تروم الاستمرارية، فكان انضمامه كسباً وقيمةً مضافةً ومنعطفاً إيجابياً في مسيرة الجمعية. حبت هذه الطفلة بخطوات واثقة، وزهت هذه الفتاة الحسناء وترعرعت في فضاء وجداني جميل، وشبت عن الطوق بروح إيمانية صادقة مؤمنة برؤيتها وبرسالتها وأهدافها الخيرية النبيلة.. يرعاها أب الأيتام في هذه المنطقة الغالية من الوطن.. ويمدّها بزكاة ماله وجاهه ووقته.. يسنده صفوة من أهل الخير والإحسان واليسار، حتى أضحت الجمعية بيت خبرة، ودوحة عطف، وموئل حنان، وأنموذجاً عصرياً للتكافل الاجتماعي الذي يحضّ عليه ديننا الإسلامي الحنيف وتقاليدنا العربية الأصلية. هذه هي رحلة (إنسان) وقصة (إنسان) التي وقف خلفها أمير إنسان.. قصة تستحق أن تُروى في هذه الذكرى وفي هذا الشهر الكريم؛ ليفخر يتيم هذه المنطقة بهذا المنجز الاجتماعي ذي السبعة أعوام وآلاف السنابل.. ما أشبه الليلة بالبارحة، بل ما أروع الليلة والبارحة.
(*)مدير عام الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام سابقاً
|
|
|
| |
|