يسعد الشاعر الحقيقي أن يجري معه حواراً بناء تحفز الأسئلة المتميزة فيه على الإجابات المتميزة، وليس أروع من محاور بارع يجعل من اللقاء متعة للقارئ والضيف معاً. اللقاء الرائع هو ما يكشف عن جوانب لا نعرفها في حياة الضيف، هي الغوص الحقيقي بذهنه والإبحار مع توجهه وسبر أغوار دواخله وغف نفسه الداخلية هي الكشف عما لم يكتشف وإزاحة الستارة عما خلف الصمت.
والمحاور الحقيقي من لا يقبل بمجرد الإجابة للإجابة تماماً، كالشاعر الذي لا يقبل بالحوار من أجل الحضور والإطلالة غير المبررة، عملية الحوار خطرة وممتعة ويجب أن يكون الرابح الأكبر فيها القارئ الذي يضيف إلى إبداع الضيف إبداعاً آخر من خلال الحوار معه، لذا فليس من حق أي من يستطيع الوصول إلى النجم أن يقوم بإجراء حوار معه.
ومن طرائف اللقاءات ما يبعث على الضحك وربما البكاء، إذ كيف يتصرف النجم الذي أجريت معه اللقاءات الكثيرة إذا أتاه من يطرح مثلاً حدثنا عن بداياتك وبطاقتك الشخصية ومتى بدأت النشر وما أول قصيدة قمت بنشرها ولونك المفضل ومتى تكتب الشعر؟ أو أن يأتي إلى الشاعر صحفي مبتدئ أرسله مبتدئ مثله لا يعلم عنه أي شيء يسأل وما الإجابات التي يفترض أن يحصل عليها؟
يقول أحد الزملاء: جاءه صحفي يطلب إجراء حوار ومن باب تشجيع المواهب وافق على الحوار ليفاجأ أن من جاء إليه لا يعرف عنه أي معلومة ولو بسيطة، إذ طلب الصحفي منه أن يحدثه عن نفسه ليكوّن فكرة عنه ليقول له الشاعر لو قلت لك إنني لست الشاعر فلاناً.. هل تصدق؟ قال: نعم، فأنا لا أعرفك إنما طُلب مني عندما تقدمت للعمل في المطبوعة أن أجري حواراً معك وجئت إليك.
يقال إن بعض الصحفيين يطلبون من النجم أن يضع الأسئلة التي يود أن تطرح عليه، ثم يجيب عنها ويسلمها لمن سيكتب اسمه، أما اللقاء حاوره فلان، والأعجب من ذلك أن هناك من يوافق على هذه المهزلة رغم أن من حق الضيف أن يقبل بسؤال ما أو يعدل في آخر بما يضفي على اللقاء ما يخدمه.
يقول من أثق بحديثه إن فلاناً أجرى معه حواراً مطولاً عبر جهاز التسجيل تطرق فيه إلى أشياء كثيرة حول الساحة، وقد ظن ألا يأتي اللقاء عندما ينشر متطابقاً حرفياً ليصعق عندما اطلع على اللقاء أنه لم يختلف فقط أو يُجرى عليه شيء من التعديل، إنما وجد شيئاً آخر لا يمت إليه بأي صلة؛ لغة ركيكة وأفكار مرتبكة وعبارات سطحية وصياغة بائسة جعلت كثيراً من محبيه ومعارفه يسارعون بالاتصال عليه مبدين استنكارهم واستغرابهم مما قرؤوا، وكم كانت مصيبته مصيبة عندما عاتب من أجرى معه اللقاء أنه قد أضاع اللقاء، وفبرك لقاء من عنده.
وقفة لعبدالله بن ربيعة