إعداد - محمد المنيف:
منذ أن عرف الإنسان أدوات الرسم والتلوين وبدأ في استخدامها تعبيرا عن مشاعره انطلاقا من الرسم على جدران الكهوف بما تحمله من رموز وإشارات ذات أبعاد ومعتقدات وغيرها مع ما تبع ذلك من تطور في أسلوب التنفيذ وتعدد الوسائط والخامات التي تنتهي إلى تحقيق الهدف وهو التعبير عن ما يختلج في الوجدان من غضب أو سعادة أو إعجاب بمنظر من واقع ومظاهر الحياة، ليستمر الإنسان في استحداث مختلف السبل تمشيا مع متطلبات الحياة منها إضافة الجمال على منتجه الذي يستخدمه في حياته اليومية كالملبس وأدوات الطبخ أو الأثاث وخلافها وصولا إلى إضفاء هذا الجمال على مسكنه وأدواته المكتبية ووسائل نقله في عصرنا الحديث، هذا الحضور للإبداع الإنساني ممن وهبوا بالقدرات الخاصة الابتكارية التي لا يمكن للحياة بدونها لم تتوقف عند هذا الحد أو أن تكون فقط للتعامل مع تلك المنتجات أو المتطلبات الحياتية بل وجد المبدعون في مواهبهم ما يمكن ان يوثقوا به واقعهم الذي يعيشون حقبته ليبقوا ما أبدعوه شاهدا على كيفية الحياة ومظاهرها لأجيال قادمة كما نشاهده في اللوحات في مختلف العصور وفي مختلف المناطق على سطح الكرة الأرضية منها على سبيل المثال ما أبقاه الفنانون من لوحات تمثل الحياة في القرون الوسطى وما تبعها من تغير في عصر النهضة كما نشاهد أيضا مظاهر حياة الاسكيمو أو من يعيش في المناطق الاستوائية أو ما تركته لنا الفنون الإسلامية وهكذا فاللوحة كانت تمثل الصورة الفوتوغرافية حاليا ولهذا أخذت المتاحف العالمية مكانتها وأهميتها الحالية لجمعها وتوثيقها لمثل هذه الأعمال.
المرأة كعنصر هام
من هنا يمكن لنا أن نعود لنبدأ الحديث حول المرأة وحضورها في اللوحة مع أننا اشرنا إليها في مقال سابق وأوضحنا أهميتها كعنصر معبر يحمل معاني كثيرة تجمعها المرأة دون غيرها أهمها الجمال والعاطفة والأنوثة التي أضفاها العديد من الفنانين على لوحاتهم في مختلف العصور إذ لا يخلو مرسم أي منهم من لوحة لامرأة وقد تكون لوحة الموناليزا لليوناردو دافنشي الأشهر من بين اللوحات التي تصور المرأة في أجمل حالاتها وأكثرها غموضا، أو كما عبر عنها الفنان دالي مستلهما فيها زوجته ومعبرا عن قوة علاقته بها مؤكدا على جمالها ورقتها ونظرتها الحانية كما نرى أيضا ما جعل من المرأة مصدر إبداع لبيكاسو رغم إظهاره لها بأشكال متعددة في مختلف مراحل تطور أسلوبه وصولا إلى التكعيبية حيث كان يحرص على انتزاع التعبير من الأعماق ويطبعه على الشكل بعيدا عن التقليدية أو التسجيلية محتفظا بجاذبيتها المحسوسة أكثر منها مرئية عكس ما نشاهده من لوحات موندليان الذي يقتنص الخطوط اللينة كتعبير عن هدوء المرأة وأنوثتها حيث يبرز استطالة الرقبة بشكل ملفت، وفي عالمنا العربي كانت المرأة أيضا حاضرة لدى العديد من الفنانين إن لم يكن غالبيتهم خصوصا اللذين يرون فيها جزءا من الواقع المحيط بهم ولكن بطرق وأساليب لا تختلف عن ما قدمه الفنانون العالميون خصوصا المدرسة الواقعية التي تجد اهتماما وتقديرا في كل الأوقات ومنها فترة الاهتمام بـ(البروترية) رسم الوجوه لشخصيات معروفة إما سياسية أو اجتماعية.
دوافع وجود المرأة في اللوحة
اشرنا في السابق أن لحضور المرأة في اللوحة لأسباب عدة منها ما يسيء إليها إذا كان وجودها في العمل مصدر إثارة أو جذب أو إغراء للمقتني وبين أن تكون مثالا رائعا وهاما.. أمومة.. وعاطفة، ودورا فاعلا، ولهذا نرى أن أكثر اللوحات التي وظفت فيها المرأة تظهر معبرة عن حالة معينة لزمن معين وواقع يتعلق بمساهمتها في الحياة كالعمل في المزارع أو الأمومة إضافة إلى سعي العديد من التشكيليين إلى إبراز قدرتهم في رسم الأشخاص ومن بينها النساء كما اشرنا ممن يرغبن في رسمهن كما هي حال الكاميرا اليوم، ولهذا أصبح لكل فنان أسلوبه في تنفيذ اللوحة منهم من يركز على الإحساس والتعبيرات في العيون أو الابتسامة ومنهم من يعطي للأزياء والإكسسوارات أيضا أهمية.
لهذا تعددت أسباب هذا الحضور للمرأة ولكن بما يستحق أن تكون عليه وفي كل العصور والمراحل التاريخية إلا ما ندر من أعمال لا تجد رواجا أو أهمية خصوصا ما يتعلق بالجسد وما يتبعه من مشاهد تخدش الحياء.
حضور يشوبه التشويه
نعود لمربط الفرس كما يقال وهو وجود المرأة في اللوحة المحلية، الخليجية عامة وفي محيط المملكة بشكل خاص التي لها من الخصوصية ما يجعلنا نتوقف أمامها بكل احترام واعتزاز، فكثير من التشكيليين وظفوا المرأة في أعمالهم منها ما هو مقنع ومنها مالا جدوى منه في وقت لم يبق فيه الفنانون السابقون جديدا من هذا التوظيف مع أن المرأة هي المرأة في كل العصور لكن ما كنا نراه في اللوحات العالمية أو العربية لم يعد له وجود اليوم في عصر التكنولوجيا وناطحات السحاب إلا مما أبقته ذاكرة التشكيليين (المعمرين) المخضرمين الذين شهدوا واقع المرأة قديما وما كانت تقوم به من جهد جنبا إلى جنب مع الرجل أو ما أبقاه هؤلاء التشكيليون من لوحات رسموها في شبابهم لمعايشتهم الأنماط الحياتية في تلك الفترة من عمرهم بكل مظاهرها فعبروا عنه بصدق كما نشاهد في لوحة الفلاحة للفنان الراحل محمد السليم التي تبين دور المرأة في جمع قوت آبنائها والتفافهم حولها ولوحة البناء للفنان عبدالجبار اليحيا التي يظهر فيها امرأة تساعد زوجها في بناء المنزل بأسلوب رمزي رائع بعيدا عن ابتذال المرأة أو لوحة الشهيد التي رسمها ضياء عزيز عكس من يقدمها كموديل لا يمكن قبوله أو القناعة به كما يشاهد في بعض الأعمال لبعض التشكيليين ممن نقلوا الوجوه من أغلفة المجلات أو من لوحات عالميه مع إضفاء بعض ملامح التراث عليهن قد تصل بهم الحال إلى وضع لثام على وجه الموناليزا أو أن يقحموا وجه امرأة في لوحة لا علاقة لها بها لمجرد الجذب.
تلك المشاهد التي رأى فيها بعض الفنانين المحليين أهمية لحضور المرأة في اللوحة تعد طبيعية حتى ولو كانت تلك المشاهد مختلقة أو متخيلة، لكن الأمر تعدى ذلك بشكل غير مقنع لمعرفة المشاهد أو الزائر للمعرض ان مثل هذا الحضور لا يمثل الحقيقة، وقد يقال إن الفنان التشكيلي مثل الشاعر يترك لمخيلته العنان لاجتذاب مواصفات يسقطها على اللوحة وهنا يمكننا القبول بشيء منه لكن ما تعود عليه المشاهد أو المتابع أو الراصد لمسار اللوحة التي توظف هذا العنصر وفي كل الأعمال العالمية أنها أخذت مباشرة من الواقع، ومع ذلك ومع ما يمكن قبول التغاضي عنه فاللوحة مساحة خاصة بين الفنان وبين عقله الباطني أو ما يشاهده على الواقع، إلا أننا نقف عند حدود الإتقان الذي يعد أهم شروط حقيقة العمل فالكثير من تلك اللوحات تظهر فيها النساء بأشكال مشوهة هي اقرب للقبح من الجمال عودا إلى عدم قدرة رساميها على إتقان التشريح والنسب في تقاسيم الوجه ولنا في ذلك الكثير من الأمثلة على أغلفة الدواوين والرسوم التعبيرية للصفحات الثقافية التي ترافق القصيدة أو القصة القصيرة التي يقوم بها رسامون محليون في الصحف المحلية.
نختم بالقول إن حضور المرأة في اللوحة يزيدها توهجا وتأثيرا إذا ما أحسن توظيف هذا الحضور لا أن تكون مجرد إكسسوار أو إضافة لا معنى لها كما نشاهدها في كثير من الأعمال.
monif@hotmail.com