طلب مني الصديق الصحافي محمد باوزير أن أجلب له نسخة من رواية (المترجم الخائن) - لفواز حداد - حين كنتُ في بيروت، وقد جلبتها معي إلى الرياض، وقرأتها قبل أن أرسلها إليه -بالبريد- إلى جدة، وصُدمتُ من كون تكلفة البريد (تسعيرة المطبوعات) تفوق قيمة الكتاب نفسه بثلاثة أضعاف! (فهل هذا معقول في دولةٍ تحرص على تنمية ثقافة مواطنيها)؟!
على كل حال، فالرواية كانت تتناول شخصية مترجم أدبيّ يتعاطف مع شخصيات أبطال الروايات التي يعمل على ترجمتها، فيتحمّس لهم ويندفع لإنصافهم من مؤلفيهم الأصليين بتجاوزات وإضافات وتحويرات مفصلية يضمنها ترجماته حتى اتهمه مثقفو عصره بالخيانة في حين هو يرى في فعله هذا نموذجاً للوفاء تجاه الشخصيات المغلوبة على أمرها!
الرواية جميلة وغنية بالأحداث والقضايا الثقافية المعاصرة، واستحقت عن جدارة الترشيح لجائزة البوكر العالمية - في دورتها الماضية.. ولكنها لم تفز!
لم أكن أعلم، قبل قراءتي للرواية، أن مترجم النصّ الأدبيّ لا يتعامل مع اللغة فقط.. إنما هو يتعامل مع الأفكار.. وبرأيي أن في ذلك خيانة واضحة (ومشروعة ربما) ما لم تصل إلى حد تغيير أساسيات البنية التي تتمحور حولها فكرة العمل، منذ المدخل الأول وحتى الخاتمة. ولعل في تجاوز ذلك فقط تكون الحالة كحالة بطل هذه الرواية (المترجم الخائن)..!
لقد عانى المترجم الخائن، في الرواية، أقصى ما يمكن لمثله أن يحتمل من معاناة.. ودفع ثمناً باهظاً، ليت (الناقد الخائن) -افتراضاً - يدفع ولو بعض جزء منه!
نعم، أقول: ثمة الكثير ممن تنطبق عليهم صفة (الناقد الخائن) وهؤلاء أشدّ أذىً وأقلّ براءة من كلّ مترجم خائن، لأن المترجم ينقل لك النص من لغة إلى لغة أخرى مختلفة كلياً، وأنت تأخذ النص على أنه ترجمة لعمل وليس هو العمل كما كتبه صاحبه.. بينما (الناقد الخائن) يخونك أنت كقارئ، ويخون العمل وصاحبه حين ينقل لك بعض فقرات على أنها مجتزأة كما هي من النص الأصلي.. وهي ليست كذلك أبداً.. بل هي مشوّهة أو ناقصة أو حتى مفبركة - ربما عن عمد أو جهل (سيان) .. فقد أدت دورها في تدمير النص من دون مبرر يمكن تفهّمه كما عند المترجم، إذ ليس من المعقول أن يكتب المترجم نصين للمقاربة، بينما الناقد من واجبه أن يعمل ذلك إذا لم يكن مقتنعاً بما يجتزئ من النص الأصلي (حرفياً).. ولقد تأذيتُ من ذلك - شخصياً - مرات عديدة وأنا أشاهد خيانات بعض النقاد في ما يجتزئونه من بعض نصوصي بغرض الدراسة (الأكاديمية - للأسف)..!
أحد أولئك النقاد (الأكاديميين) اجتهد في كتابة دراسته النقدية عن ديواني الشعريّ الأخير (شربنا من الكون حتى العدم) مع (خيانة كبرى) واضحة وبارزة وغير بريئة أبداً وغبية جداً، إذ نقل العنوان هكذا (شربنا من الموت حتى العدم)!
والمؤلم المستفز في دراسته تلك أنه جاء على ذكر اسم الديوان أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يصادر (الكون) ليضع في مكانه كلمة (الموت).. فأيُّ ضميرٍ ميتٍ لدى ذلك الكائن الذي يعمل على نقد الأدب وتدريسه؟!
لو كان مترجماً لقلنا اختلطت عليه المفردتان فلم يفرق بين (الكون) بكل ما يضج به من حيوات وموات، وبين (الموت) الذي هو جزءٌ مرحليٌّ في مسيرة كل كائن.. ولكنه ناقدٌ
(ناقدٌ خائن)!
هذا كلّ ما أردتُ قوله الآن، والله المستعان.
الرياض
f-a-akram@maktoob.com