حقيقة أعجزُ عن استيعابها..
فكِّ رموزها.. فَهْمِ طلاسمها..
على الرغم من أني أعيش أدق تفاصيلها كل يوم بذات الأحداث تماماً..
احتجتُ ربما كثيراً من العقل حتى أتمكن من فتح المجال لمناقشتها.. وأخيراً أخذتُ قراري بالنشر.
منذ أيام تذكرتُ أحد المواقف التي سببت لي انزعاجاً على الصعيد الشخصي أثناء سني الدراسة؛ إذ كنتُ بحاجة إلى «تحكيم» بعض أدوات البحث من قِبل الأجلاء من الدكاترة بإحدى مؤسساتنا التعليمية الحكومية العالية بالسلطنة.
لحظة دخولي إلى المكتب المعني.. سررت كما أني لم أشعر بطعم الفرح أبداً في حياتي؛ فأغلبية الحضور من حملة هويتي العمانية الأصيلة.. استأذنتهم في استقطاع جزء من وقتهم، وأخذت في توضيح المطلوب.. آلمني جداً رد هذا الدكتور الذي جاءني بالكلمات الآتية:
«ياخي أذيتونا إنتوا إللي تحضروا دراسات، خلاص يعني ما ورانا حد إلا إنتوا..»!!!
أعطاني ظهره ومضى..
لكنني لا أنسى فجأة..
ولا تموت داخلي الأشياء بسهولة..
كان يخيل إلي أن الواحد كلما ارتفع درجة علمية.. ارتقى خُلقاً.. وازداد تواضعاً، لا يُصاب بداء الجنون أبداً.. ويظن أنه أتى بما لم يأتِ به الأوائل..!!
ما زالت الدهشة تسكنني، إلى أن صادفت الكثير ممن تحولوا إلى فصيلة العظماء بعد حصولهم على (الداااال)!!..
أنا لست غاضبة على هذا البعض، ولا أحمل لهم في داخلي سوى التقدير؛ فقد رفعهم الله تعالى درجات على الرغم من كل شيء.. وهذه هي التي تجبرني أخلاقياً على منحهم ما يستحقون..
لكن هناك شبه إجماع من المحيطين.. على أن هذه (الدال) التي يتسابق عليها الكثيرون كان ينبغي أن تغرس في نفوس أصحابها الأشياء الجميلة، التي تمنح من حولها المعرفة، الثقافة، العلم، والأخلاق.. إلا أنه قد بح صوتنا ونحن ننادي:
لا يهم الناس كثيراً أنك ال»دكتور» فلان.. يعنيهم أكثر القالب المغلف بال»دال».. فكره، وعيه، إدراكه، أسلوبه.. أشياء كثيرة أكبر من هذه الكلمات..
ف»يا» دكاترة:
لا أعلم إن كان لي الحق في التوجه بهذا الحديث إليكم.. أم أنني ما زلت أصغر (سناً) على ذلك!! لكنها أمانة القلم.
.. لا تخنقوا أنفسكم بدخان العظمة، ولا تذبحوها بمقصلة الكبرياء.. فغدا تدركون أن الطقوس التي ترسمونها لأنفسكم أمام الناس أصبحت مكشوفة..
ولكم أن تتخيلوا حجم إحساسكم بالصغر أمامهم على الرغم من أنهم لم يحصلوا على درجة الدكتوراه.. تنازلوا عن بعض الداء.. وتجنبوا فكرة أنه «لا مثلي أحد»، اشعروا بقيمة ما فضلكم به الله - عزَّ وجلَّ - عن غيركم.. وتساءلوا.. لماذا نحن؟!
امسحوا وجوهكم بخشوع الفطرة الطيبة المتواضعة..
امنحوا مَنْ حولكم ما سوف عنه تُسألون..
قرروا التحوُّل إلى مطر خير يبلل جفافهم دون المنّ عليهم..
تخلصوا من مساحة الغمام بداخلكم..
والسلام عليكم بمقدار ما وصلتم إليه من علم..
والسلام عليهم بمقدار المقدار كله..
* إليه حيثماااااا كاااااان:
لماذا أبكيك في كل مرة
أحاول فيها أن أبدأ حكاية جديدة؟!
هل سيمضي عمري ولن أرى بين كل رجال الدنيا.. سواك؟!
عُمان