استأثره الله تعالى برحمته، واختاره لجواره، فتوفي العلامة الأستاذ أبو محفوظ الكريم المعصومي صباح يوم الثلاثاء23 جمادى الثانية 1430هـ بعد أن قضى حياة حافلة بالتأليف والبحث والتحقيق، وكسب احترام وتقدير أعلام العلماء والباحثين.
اشتهر - رحمة الله عليه - بالتدقيق والتحقيق في أبحاثه وتعليقاته مع بصر بالعربية عجيب، وحافظة فذة حتى إنني شهدته قبل وفاته بأسبوعين، وهو على فراش الموت فكان يحدثني وهو مستلق على ظهره، وتنفرج أساريره للحديث عن العلم والعلماء، وكلما سألته عن حالته الصحية نقل الحديث إلى شؤون العربية والتراث، فتنثال المعلومات وهو لا يكاد يخرج الكلمات من صعوبة التنفس.
ولم تكن للمعصومي شهرة ذائعة في الأوساط العلمية؛ لما جبل عليه من التواضع والأنفة، والبعد عن الشهرة وحب الظهور، إلا أن من يعرفون فضله من المحققين الأعلام يقدرون علمه، ويعترفون بفضله، فقد كانت له اليد الطولى في الحديث وعلوم التفسير، والتاريخ، وأما العربية فلست أعلم أحدا من الأحياء يضاهيه هذا مع أسلوب جميل، وبراعة شعرية، وتمرس في اللغات الأردية والفارسية والإنجليزية.
قال عنه العلامة عبد العزيز الميمني بعد أن قرأ مقالا له علق فيه على مقال للميمني، والمعصومي لما يبلغ العشرين بعد: (... فأعجبني منه حرصه على البحث والتنقيب، والنظر والتمحيص. .. على أن فيما زبر قلمه فوائد علمية لا يستهان بأمثالها).
واعترف بفضله العلامة حمد الجاسر فقال: (وقد اطلعت على بحث ممتع للأستاذ أبي محفوظ الكريم المعصومي، يدل على على أنه لم يطلع على مؤلفي عن الهجري، وقد رأيت نشر هذا البحث ؛ لما فيه من معلومات قيمة تدل على ما يتصف به كاتبه الأستاذ الجليل من سعة اطلاع، وقوة اهتمام وعناية بالأدب العربي، وباللغة العربية لغة القرآن...).
وقال له في رسالة ثانية له: (وها أنا أبعث لكم نسخة من عملي لعل لديكم ما تلاحظونه لترشدوني إلى ما قد وقعت فيه من خطأ و أكون شاكرا لكم، وسأنشره عندي في المجلة التي أصدرها، وإسمها مجلة العرب).
هذا هو العلامة أبو محفوظ الكريم المعصومي ابن مولانا محمد أمير حسن، وينتسب إلى جده الشيخ محمد معصوم فيقال له: المعصومي وهو لقب أحبه العلامة لحبه لجده.
ولد العلامة في 31 يوليو من عام 1931م في قرية مهوا توله (MAHUWA TOLA) إحدى قرى بلدة بيهار شريف (BIHAR SHAREEF) في الشمال الشرقي للهند. وعاش في أسرة عرفت بالعلم وحب العلماء، والصلاح والمواظبة على الأعمال والعبادات عبر تاريخها الطويل، فكان أبوه مولانا محمد أمير حسن أحد أبرز رجال العلم الذين كان يشار إليهم بالبنان، وقد شغل منصب التدريس والتأليف والإفتاء في مدينة « إله آباد» (ALLAHABAD ) في ولاية أوترا براديش (UP) حيث كان في كنف جده الشيخ محمد معصوم الذي اشتهر بالعبادة والصلاح والاستقامة، وقضى معظم حياته في الدعوة والإرشاد.
لم تستقر أسرته في القرية طويلا بل أخذت تتنقل حسب ظروف العمل ما بين المدن والمناطق، حتى ألقى كبير الأسرة عصا الترحال في مدينة كلكت -اkolkata عاصمة ولاية غرب البنغال، وكان يتفق له أحيانا السفر إلى مدينة دكاDHAKA بسبب انتدابه للعمل هناك في بعض المدارس التي أقامها الحكم الإنجليزي إبان الاستعمار.
تتلمذ المعصومي على والده مولانا محمد أمير حسن، وأخذ منه علوم اللغة والشريعة، والمنطق على المنهج القديم المعروف ب - منهج (الدرس النظامي) الجاري تطبيقه في المدارس الدينية المنتشرة في طول البلاد وعرضها باسم (الجامعات الإسلامية) أو (دار العلوم)، ثم التحق بالمدارس الحكومية.
يقول رحمة الله عليه: (ثم أديت الامتحان الرسمي تحت لجنة امتحانات المدارس ببنغالة الواقعة في كلكتا، ففزت - بحمد الله وفضله - بنجاح باهر في الامتحان المنعقد سنة 1943م، وكنت ثالث الناجحين في الدرجة الأولى ببنغالة... وبعد ذلك وبنصيحة من والدي سجلت في مرحلة الدراسات العليا، ونجحت فيها بدرجة الامتياز، كما نجحت أيضا في امتحان (التخصص) عام 1946م).
عين المعصومي بعد ذلك في المدرسة العالية بوظيفة (مساعد مدرس)، واستمر بالسلم التعليمي إلى أن تم ترقيته عام1950م إلى وظيفة (محاضر) حتى عام 1968م حيث عين على مرتبة أستاذ (Professor)، ثم أحيل منها في عام1991م إلى التقاعد.
ولعل نظرة فاحصة على نتاجه العلمي تعطي أوضح الصور عن مقدار علمه، وتمكنه في أمور العربية، وهو على النحو التالي:
أولاً: النصوص المحققة:
كتاب شرح الألفات لأبي بكرمحمد ابن القاسم الأنباري.
مسألة صفات الذاكرين لأبي عبد الرحمن السلمي.
القول المسموع في الفرق بين الكوع والكرسوع للسيد مرتضى الحسيني البلجرامي... ثم الزبيدي.
أرجوزتان للسيد مرتضى البلجرامي.. الزبيدي.
ثانيا - البحوث والمقالات :
أبو جعفر المصادي.. نتف من حياته، وآثاره وتلاميذه، ومن إليهم
قدامه ابن جعفر الكاتب بحث في نسبه/ وإسلام سلفه.
كعب زهير - نسبه وشعره.
شرف الدين البوصيري.. في قصيدته الميمية.
صدر الدين الشيرازي... حياته ومآثره...
العلامة مرتضى الحسيني البلجرامي الزبيدي.. حياته وآثاره.
شاناق الهندي - نتف من ترجمته وآثاره مع تحقيق فصل من كتابه منتحل (الجواهر)
خسرو - الشاعر الهندي - ومكانته في اللغة العربية.
مقتطفات من شعر غالب.
مع خسرو - الشعر الهندي - تفاريق معربة، وموزونة من شعره الفارسي.
أغاني الشعب الكشميري.
نظرة في أهمية اللغة العربية في الهند.
إطلالة على ازدهار الحديث والمحدثين في إيالة (بيهار) الهندية
قصة الأرز في الأدب العربي.
قرابة أم مسطح من أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ثالثاً: التنبيهات والمستدركات:
نظرات في كتاب (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) للرامهرزي.
على طرر سير أعلام النبلاء للذهبي.
ذكرى العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي (قصيدة رائية في 158) بيتا.
طرر اللآلي وسمطها الغالي.
حول ديوان حميد بن ثور الهلالي.
قصيدة العروس.
نظرة في قصيدة العروس وأخواتها.
تفاريق العصا.
نفاضة الجراب (حول ديوان ابن الدمينة بتحقيق الأستاذ/ أحمد راتب النفاخ).
روائع نادرة من شعر الشاعر جميل بثينة( ملحوظات على ديوانه بتحقيق الدكتور/ حسين نصار).
ديوان بشر ابن أبي خازم الأسدي( تحقيق الدكتور عزة حسن)
ديوان ابن مقبل ( تحقيق الدكتور/ عزة حسن)
كتاب الأشباه والنظائرفي النحو للسيوطي ( ط/ مجمع اللغة العربية / دمشق ).
ولعل من أهم أعماله -رحمه الله- تحقيقه وتعليقاته على نوادر أبي علي الهجري في نسخة الجمعية الآسيوية (ASIATIC SOCIETY) بمدينة كلكتا حيث استطاع قراءة ما لم يستطع الشيخ حمد الجاسر قراءته لتلف أصاب النسخة بعد ما نسخها المعصومي، وقد حدثته – عليه رحمة الله - عن هذه النسخة فأشار إلى أنها عنده في مكتبته، ولكنه لا يعلم مكانها.
ولعلي هنا أشير إلى أن الأستاذ الفاضل الدكتور/ محمد أجمل الإصلاحي قد أدى للعربية أجمل جميل بنشره بحوث وتنبيهات العلامة المعصومي في مجلدين ومقدمة ضافية.
رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته، و ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
الملحق الثقافي السعودي – نيودلهي