في سعي هذه الزاوية للتركيز على المتوارين؛ يجيء (شيخنا الشاب) أو (شابنا الشيخ) مسؤولا عن منفاه (الطوعي) الذي اختاره رغم توثب قلمه، وتجدد فكره، وتوالي الدعوات له كاتبا ومحاضرا ومشاركا مثلما كان.

لفت نظرنا بطريقة إخراجه وتبويبه لمجلة الفيصل؛ فقد اعتدنا - وقت صدورها - على النمطية المعتمدة على منهج رصف الكلام خلوا من الصور والشروح والعناوين، إلا ما كنا نجده في (مجلة العربي الكويتية)؛ فذاك قصارى المجتهد والمقتصد، وقد أفضى إلى ما شاءه له ظرف المكان والزمان.

من صبيا كانت الفاتحة (1363-)، ليمثل ظاهرة تستحق الدراسة حول الجنوب الذي اصطفاه الشمال (الصحفي)؛ فأسس عددٌ من أبنائه المرتكزات الأولى لصحف الوسطى، ولن ينسى التاريخ الثقافي أدوار (علي العمير)و(علي النعمي) وصاحبنا (علوي طه الصافي)وآخرين.

حقوقي في تخصصه، إداري في وظائفه، أديب في اهتماماته، صحفي حتى أخمص قدمه، ترك الفيصل في أوجها،وكشف عن (ليلى سلمان) حجابها، وترك ال(مسمار) دون جدار، ولم يكمل طريقه عبر (جسر التنهدات)، وكذا يصنع القلق بالمبدعين؛ فكأن الريح تحتهم لا يستقرون، لتحركهم أفراسهم -كما حركت شيخهم أبا الطيب - ذات اليمين وذات الشمال.

يُذكر له - ضمن إصداراته ومحاضراته -: مطلات على الداخل / الأدب وموقفه من الحدث التاريخي والنضالي / الأدب العالمي والعالمية في الأدب / السمكة والبحر - قضايا وقراءات في الأدب والفكر / أرزاق يا دنيا أرزاق / إسبانية تحسب قلبي بئر بترول / ألوان ثقافية - بالاشتراك مع د. محمد عبده يماني وسباعي عثمان / الجوائز الأدبية في المملكة والوطن العربي والإسلامي / مدخل تاريخي للقصة والرواية في منطقة جازان / يا قلب لا تحزن / امرأة تحاور أفعى...

ومن المؤكد أن له أعمالا أخرى، وربما جاءت تجربته في دار النشر الخاصة محفزة زمنا ثم مثبطة زمنا آخر ليته وصل ما انقطع في غيابه بحضور مؤلفاته.

عتب علينا مرة حين نشرنا مقالا للراحل الكبير الأستاذ عبدالله الجفري - عليه رحمة الله - خشي فيه على (الثقافية) أن تتحول إلى (ضيعات) خاصة؛ وتصور أن تمريرنا المقال موافقة وتقرير، ولم يشفع لنا شرح وتبرير، فغاب عنا، وبقينا نذكره وننتظره.

يمتلك الصافي أسلوبا جميلا، وذائقة رائقة، وذاكرة لم تخلق للنسيان، لكننا نسيناه؛ فارتأى أن ينسانا، وبذا تكون (العين بالعين) ويصبح (البادي أظلم)؛ فهل تقبل أن نعتذر لتعود؛ وهل تدرك ما يعنيه انكفاء الرموز زمن الإقلال والإمحال.

التنهدات حياة.