المدينة المنورة وشاعرها الدكتور محمد العيد الخطراوي صنوان لحالة حب فريد، يسكن شغافهما، فالمدينة الهادئة، والمبجلة بقدسية الحضور النبوي الشريف لا تبخل دائماً أن تنفح أهلها شذى المودة، وعبق الحب، وحبق الحبور، فكيف إن كانت هذه العلاقة بشاعر كمحمد الخطراوي الذي همس كثيراً، في حبها، وجهر في مدحها، وتدبيج الثناء لها، فما زاد الشاعر من وراء هذا الحب إلا أن ازدانت قلائد شعره في وصف مواطن الجمال الحقيقي الذي لا غرو أن قال فيه الشاعر أرق التفاصيل.
ففي الهمس صاغ شاعرنا أعذب تلك الأماني عن المدينة المنورة، فليس أكرم من هذا المكان لكي تهمس بوده، وتهجس بمحبة من فيه. وفي المدائح لا تخفى على عارف قدرة الشاعر الدكتور محمد الخطراوي على كيل المدائح فيها.. أوليست هي مدينة الرسول (ص)، ومهد حضارة الإسلام، وجمال الخَلق والخُلق؟!
المدينة المنورة.. (طيبة) أم المدائن، وخلاصة مجد البلاد، فهي التي لا يغادرها احد إلا وهو مطمئن بأنه عاش فيها أجمل وارق أيامه، فسواء طال المقام فيها، أو قصر، فتظل هي المدينة الأثيرة لديه، فالشاعر محمد الخطراوي عني كثيراً بهذا المجد، وتفاعل معه، وصاغ منه أرق القصائد حتى عرفت (المدنيات) في شعره بأنها حالة حب فريد للمكان الذي يستهوي الإنسان، ويحقق من وراء تذوقه وتأمله المتعة، والفائدة في هذه الرحلة الوجدانية القيمة، وكان يشاركه هذا الحب إضمامة من شعراء المدينة من أمثال حسن الصيرفي، ومحمد هاشم رشيد، وعبدالرحمن عثمان، ومن الجيل الجديد عبدالمحسن حليت، وبشير الصاعدي، وعيد الحجيلي.
فإن همس الشاعر الخطراوي ستجد أنه مرهف الحس، لأن هذه المدينة الجميلة طبعته بطباعها، وصاغت منه هذا الوهج الجمالي الآسر:
(حديث هامس عذب
كهمس العطر للنسمة
كلحن رن في أذني
أنيقاً ساحر النغمة
حبيبي قلتها فمضت
بآمالي إلى القمة
فخلت الشمس من حشمي
, إن البدر في الخدمة)
أما إن جهر الشاعر في شعره فإنه سيصوغ شهادته العصرية للعالم بأن هذا المكان الجميل والراقي، والمميز يفرز للحياة تجارب إنسانية شتى تحفل بالشعر والشعراء، وتقيم علاقة ود وبهجة مع من يأتي إليها من أماكن شتى فلا يتردد أن يعرض فيها، ويصف بهاؤها.
بل إن هناك من يرتحل إليها، ويهجر الأوطان لزيارتها، وتأمل مسجدها العظيم، والصلاة فيه، بحثاً عن هذا الألق الإنساني في هذه المدينة (طيبة) التي تتبوأ مكانتها بين المدن، فإن أردتها قديمة فهي الضاربة في عمق التاريخ والحضارة، وصياغة مفردة الجمال التراثي الذي كون بعدها العالمي على مدى قرون، وإن أردتها عصرية فإنها ستخرج إليك بكامل بهائها وعصرية أهلها، وتفاعلهم مع كل تيار حياتي جديد، ليذهل الشاعر من أمر مدينته الجمالي البديع.
فطيبة البهاء والشاعر محمد العيد الخطراوي طائران جميلان على غصن واحد، حيث ينهل الشاعر من ينعة مدينته التي تتمايز على المدن، وتتسامق قامتها على كل البلاد، وتشرئب هامتها بشرف الوجود الطيب، والجوار المبارك، ليصوغ بين فينة وأخرى قلائد الشعر الجزل، فبات هامساً في دلالها وبهائها، وأنشد مجاهراً في حبه لها، ولأهلها وللأماكن المدهشة فيها.