الثقافية - القاهرة - أحمد عزمي:
أقامت مكتبة حنين بوسط القاهرة حفل توقيع للمجموعة القصصية (ما لا يضمنه أحد) للروائي خيري شلبي، والصادرة عن سلسلة (كتاب اليوم) بمؤسسة الأخبار، حيث استرجع الكاتب الكبير جانباً كبيراً من ذكرياته، وسط حضور من الكتّاب والإعلاميين، قدّم شلبي صورة للبيت الذي نشأ فيه بإحدى قرى دلتا مصر، حيث عكست تفاصيله صورة للحياة في مصر آنذاك، إذ تعرضت أسرة خيري شلبي لأزمة اقتصادية، كشفت صلابة أبيه، الذي رأى فيه شلبي شخصية لا تقل عن الشخصيات التي قرأ عنها في السير الشعبية.
كان الوالد - كما يقول خيري شلبي - يمتلك مكتبة، يحتل الأدب الجانب الأبرز فيها، كما كان الوالد شغوفاً بكتب القانون، التي هيأته لتكوين ثقافة قانونية، وظفها لخدمة أبناء القرية، وإقامة المصالحات بين الخصوم.
ومثلما حكى خيري شلبي عن نقص الطحين في بيتهم، كشف عن أنّ يومه كان مقسماً بين مطالعة الصحف صباحاً، بينما كان المساء مخصصاً للاستماع إلى مواويل السيرة الشعبية، والمناقشات في كتب الفقه والتفسير، والتي تمتد إلي الصباح، وأوضح شلبي أن ملكة الكتابة تفتحت داخله عندما سمع مقاطع من رواية (يوميات نائب في الأرياف) لتوفيق الحكيم، فقد سحرته قدرة الحكيم على صياغة شخصيات واقعية - مؤكداً أن ظروفه العائلية لم تحل دون استمراره في الدراسة، لكن اضطر إلى خوض تجارب مبكرة في العمل، ليتمكن من الإنفاق على دراسته. وتحدث شلبي عن تجربته في العمل وسط عمال التراحيل، فكانت تلك المرحلة من عمره هي الأكثر تأثيراً حيث منحته القدرة علي الكتابة من شتى أرجاء مصر، معتمداً على ثراء قاموسه اللغوي، الذي استمده من تلك التجربة، فباتت كل شخصيته روائية لديه تتمتع بمفردات لغوية خاصة بها وتناول شلبي تجربته في العيش وسط المقابر لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، معتبراً تلك المرحلة وراء إنجازه لهذا الكم الهائل من الروايات الطويلة، وكان السبب وراء خوضه تلك التجربة هو البحث عن مكان خاص للإبداع، فلم يجد أفضل من مقابر منطقة قايتباي، وذلك رغبة في الهروب من جلسات المثقفين، الذين أصابتهم في مرحلة السبعينات من القرن الماضي حالة من الانتحار الذاتي وتخوين بعضهم البعض.
وأضاف أنه أحس بخطورة التردد على مقاهي المثقفين، إذ يفقد المبدع خلال بضعة أسابيع تفرده، ويصبح رفقاء المقهى، وكأنهم يكتبون بقاموس لغوي وتعبيري واحد، مشيراً إلى أنه في ذلك الحين اهتدى إلى الكتابة في الأحواش الملحقة بتلك المقابر، واكتشف بعد سنوات أن هناك سراً آخر وراء تعلقه بهذا المكان، يكمن في طبيعة الأحجار المشيدة بها المقابر وما حولها من أسوار، فهي تشبه تماماً الأحجار المشيدة بها مساجد مدينة (فوة) مسقط رأسه التي كان يذهب إليها طفلاً في جولات متعددة مع جدته. وقال خيري شلبي إنه من بين القلائل الذين يلمون بطبيعة الشخصية المصرية من خلال علاقته العميقة بكل أشكال الفولكلور، مؤكداً أن تجربته المبكرة مع عمال التراحيل جعلته في بعض الأحيان يكتب رواياته وكأنها شعر موزون، وأنه اضطر لإعادة كتابة مقاطع عديدة من روايته (الأوباش) لأكثر من أربعين مرة، للتخلص من الصيغة الشعرية الواضحة فيها، وعبّر شلبي عن اعتزازه بالقصص الكثيرة التي كتبها، أكثر من اعتزازه برواياته، معترفاً بأنه كتب الرواية ليزيل الركام من فوق الجواهر الحقيقية التي تمثلها القصة القصيرة.