الثقافية - دمشق - بهيج وردة:
يرى القاص السوري وليد معماري أن القصة القصيرة لا تزال بخير. الكاتب الذي تنقل من القصة، إلى الصحافة المكتوبة، إلى الراديو، والمسرح، والسينما، لم يتوقف عن الإنتاج الأدبي، وآخر إصداراته (أختي فوق الشجرة) نبش فيها حنايا الطفولة. وما يجعله يتابع كتابة القصة للأطفال هو رضا الأطفال بما يكتب. (الجزيرة) التقت وليد معماري، وكان هذا الحوار:
لمن يكتب وليد معماري قصصه؟
- أكتب لأوسع شريحة ممكنة من الناس، بدءاً من رجل الشارع البسيط الذي يتقن فك الحرف، وصولاً إلى أعلى الشرائح القارئة.. لغتي بسيطة، ولكنها ليست مسطحة... لا أحب التعقيد ولا الفزلكة اللغوية، بل أركز على الحدث وحبكة الحكاية.. ثم الفكرة المخبأة في تلافيف النص..
أنتقي كلماتي بدقة، دائماً، هناك كلمة مناسبة للمكان المناسب، وحسب اعتقادي ليس ثمة مترادفات في اللغة العربية.. (كلمة سار، لا تعني مشى) على سبيل المثال... الأمر الذي يتطلب وجود قاموس في ذهني لاستعارة الكلمة المناسبة. أعيد التنقيح، وأشطب ما لا يخدم الفكرة الحقيقة. عندي جرأة لتلقي النقد، وأنقد نفسي بنفسي.
شخوصك في معظم قصصك هم أشخاص حقيقيون يكادون يصرخون بأسمائهم الحقيقية، كيف توازن بين الواقع والخيال في كتابتك للقصة؟
- أستلهم الشخصية من الواقع، وليس بالضرورة أني أنسخها فوتوغرافياً.. فهي صورة خام تحتاج إلى التفكيك، ومن ثم إعادة التركيب... ثم إن الشخصية الواحدة قد تكون مستمدة من شخصيات عدة، أحتفظ بسماتها الجوهرية فقط. فمثلاً لكل إنسان جدتان، أما أنا فأمزج في قصصي بين جدتين فتخرج واحدة جديدة، وأحياناً أمزج بين أربع جدات فتتشكل شخصية مختلفة بالكامل. كل حركة من حركاتها، وكل فعل من أفعالها أو من سماتها موجود في الواقع، وعملياً، هي غير موجودة في الوقت ذاته. ومن يقرأ يعتقد أن الشخصية موجودة فعلاً. وهذه لعبة الفنان في لعبة الإبداع.. كما يمكن الاستعانة بالخيال لبناء شخصية غير موجودة. فمرة أركبت إحدى شخصياتي حصاناً جامحاً لا يستطيع أحد ركوبه إلاه، لإعطائه نوعاً من السلطة، في معالجة خيالية لواقع ما حتى تصل الفكرة التي أريدها بصورة مجسمة أمام القارئ.
في مجموعتك الأخيرة (أختي فوق الشجرة) تنبش ذاكرة الطفولة لتقدم الحكايات، كيف ترى الفرق بين الكتابة للأطفال وكتابة القصة القصيرة لغيرهم؟..
- أتوخى في كتابتي للطفل، المتعة والفائدة، فالكتابة للطفل بحاجة لمعالجة موضوع يتلاءم مع سنه، بينما الكتابة للكبار تتعاطى مع حياة أكثر عقلانية، وأكثر تعقيداً. مقابل بساطة قصة الطفل، هناك بساطة في اللغة لا في تركيبة الحكاية، لجعل الطفل يعتاد القراءة في حكاية بعيدة عن الوعظ والمباشرة المنفّرتين. وأترك له فرصة اكتشاف الأمثولة المخبأة جيداً في القصة، مقدماً له الفرصة لمشاركتي الكتابة واستنتاج ما أريد قوله.
القصة المكتوبة للكبار تتضمن عناصر تحاكي الحياة، أو تعكس مجرياتها، ففيها صراع شرس، وموت وحياة، وحب وخيانات وبخل وكرم ومعارك وخيبات.. وأطياف متناقضة طبقياً وإيديولوجياً..
أما قصة الطفل فهي لا تحتمل القسوة.. وبالنسبة لي، أتجنب تقديم الوجه السلبي للحياة أو للسلوك، ومن ثم تسفيهه.. هذا خطأ تربوي.. وما أكتبه هو الوجه المشرق، والنموذج السوي، والمرح ضمن حكاية ممتعة..
أخذت القصة مؤخراً بالتراجع كجنس أدبي مستقل، في ظل هيمنة الشعر، هل تجدها في مأزق؟
- الكلام غير دقيق. قرأت مؤخراً استفتاء على الإنترنت يسأل: (إن وجدت أمامك قصة قصيرة وشعراً ورواية أيهما تقرأ؟)... وكانت الغلبة للشعر والقصة القصيرة، بالتساوي، مقابل الرواية. أنا لا أرى تراجعاً، بدليل العدد الهائل من القصص القصيرة التي تنشر في العالم كل أسبوع... إنما الجيد، أو المتميز في كل الفنون قليل دائماً. كما في القصة القصيرة....
شاركت مرات عديدة في تحكيم مسابقات للقصة، وكنت أجد ما نسبته عشرين، أو أقل قليلاً، من الأعمال التي تنطبق عليها شروط القصة القصيرة.. والجيد منها لا يتجاوز خمسة، أو ستة بالمئة.. وهذه نسبة موجودة في كل مناحي الحياة.. دوماً الجيد قليل، لذلك لا أعتقد أن القصة تراجعت، بالأحرى إن عامل الوقت لدى القراء، وتعقيدات الحياة، جعل القصة أسرع تداولاً، وتناولاً..
كيف ترى واقع القصة القصيرة عربياً؟.. هل من أسماء معينة تلفت انتباهك الآن؟
- القصة القصيرة عربياً بخير، فلدينا ما لا يقل عن خمسين قصة منتجة أسبوعياً... وأكرر.. الكم ليس مقياساً، بل الجيد هو المقياس، والجيدون من الكتّاب مقلون في عطاءاتهم على مستوى العالم.. والأسماء التي تلفت انتباهي، كثيرة.. لكن المدهش أن لدي أسماء لكتاب قصة شباب مدهشين، لم ينشروا أعمالهم من قبل، وأنا بصدد مساعدتهم على النشر.
القصة القصيرة، إذن بخير، وآمل أن الأجيال الجديدة ستتجاوز آباءها في العطاء.