قرأت المقال الرائع الذي كتبه الدكتور علي المعيوف في العدد 270 من المجلة الثقافية في 14 صفر1430هـ، وهو قراءة شاملة لجملة مداخلاتي في المجلة، وهذه عناية منه تعبر عن محبة للنحو وأهله، فله مني الشكر الجزيل. وله ثلاث ملحوظات واقتراح، وأما (الملحوظة الأولى: يبدو همُّ التعليم غير وارد في تلك المداخلات، وهو أمرٌ جيد يساعد على الانفكاك من قيود هذا الهمّ، ويجعلُ دراسة الظاهرة في ذاتها لذاتها) فلعله إن عاد إلى المداخلات بفضل تأمل رأى أنّ همّ التعليم دافع من دوافعها ومحرك من محركاتها، وأن الغرض تلمس اختصار طويل أو تجنب فضول أو تسهيل صعب، ولعلّي أذكره بكلمة صادقة قالها، وهو يسمع، أخي الدكتور محمد صاري العياشي: إن ما تكتبه النحو الواضح.
ولنضرب الأمثلة للتوضيح، ففي جملة (زيد في المكتبة) حين نقول للمتعلم (زيد) مبتدأ؛ فإن من السهل عليه أن يفهم أنه هو المبتدأ أيضًا في (إنّ زيدًا في المكتبة) بدلاً من إشغاله بمصطلح جديد لا معنى له وهو (اسم إنّ).
وفي جملة (جاء هذا الرجل) من الأسهل أن أقول إن (هذا) إشارة لا محل له من الإعراب و(الرجل) فاعل كما هو واضح وأجنبه القول بأن (الرجل) بدل من الإشارة أو نعت.
أما عن (الملحوظة الثانية: قد يتناول أستاذي ظاهرةً لغويةً تركيبيّةً ما، ويُفسِّرُها تفسيرًا مختلفًا عن تفسير النحاة منطلقًا من مبدأ مختلف عن المبدأ الذي فسّر به النحاة الظاهرةَ نفسَها، ولكنَّه لا يخرج عن إطار المصطلحات التي استعملها النحاة؛ وقد يؤدي هذا إلى تلقّي عمله تلقّيًا مُشوَّشًا) فأقول إن هذا صنيع النحويين أنفسهم فنصب المضارع في (زرنا فنكرمَك) عامله لفظي عند البصريين هو (أنْ) المضمرة، وعامله معنوي عند الكوفيين.
وهم اختلفوا في مثل (قائم زيد) فعد البصريون (قائم) خبرًا مقدمًا، وعده الكوفيون مبتدأ.
وأما التلقي المشوش فهو أمر متوقع لغلبة فهم نحوي جزئي؛ إذ تنال المتلقي الوحشة من شيء لم يألفه، وأما المطلعون على الخلافات النحوية فيجدون هذا سائغًا.
وأما عن (الملحوظة الثالثة ولها ارتباط وثيق بالملحوظة الثانية: قد يتناولُ أستاذي ظاهرةً لغوية تركيبية ويفسِّرُها في إطار دائرة نظرية أوسع من إطار الدائرة التي فسَّر بها النحاة الظاهرة نفسها، وبسبب استعماله مصطلحات النحاة المستعملة في دائرة أضيق يبدو عمله عند المتلقين الرافضين (هدمًا للنحو العربي)، وقد لا يتجاوز عمله عند المتلقين المحايدين كونه (ترميمًا) لما ورد في النحو العربيّ، أو توسيعًا لمفاهيم استعملها النحاة) فأقول إنها لا تختلف كثيرًا عن الملحوظة السابقة، والحقيقة ما يراه المحايدون من أن عملي هو ترميم للنحو أو توسيع للمفاهيم، وهذا هدف بدأت به في مقدمة أول مشروع علمي وهو رسالة الماجستير الجملة الشرطية عند النحاة العرب.
وأما اقتراحه (ماذا لو خرج أستاذي من دائرة نظرية العامل تمامًا؛ لأنَّها دائرة تُحكِمُ القبضةَ على الجزئيات التفصيلية في تركيب الجملة، فهي تحاول أن تُفسِّرَ أيّ تغيُّر ظاهريٍّ في الإعراب لكلِّ كلمةٍ مُعرَبة، واتّجه إلى دائرة المسند والمسند إليه؟ وبذلك رُبّما نجد كثيرًا من الأمور التي تبدو متشابكةً في مداخلات أستاذي غير متشابكة ألبتة، بل قد نجدها سلسة جدًا) فهو اقتراح أشكره له ولكني لا أراه مناسبًا؛ لأن مصطلح (المسند/المسند إليه) فلسفي في الأصل وفيه غموض لا يناسب التعليم ولا يحل مشكلة، وأما نظرية العامل وهي عمود النحو العربي فنظرية جيدة أتمسك بها وأدافع عنها؛ ولكني أسمح لنفسي أن أجادل النحويين في تفاصيلها كما جادل بعضهم بعضًا؛ وذلك لمزيد من إحكامها ودفع ما يظهر من تناقضات في تطبيقها، وهذا يفسر البقاء على المصطلحات النحوية مع توسيع مفاهيمها.
وأما تركها والإتيان بغيرها فيبقي النظرية على علاتها، ويأتي بنظرية قد لا يكتب لها القبول مع توقف فيها أبديته.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض