رجل مرح وحديثه ندى، بلغ السبعين لم تسقط له سن، ولم تظهر على وجهه تجعيدة، أما الشيب فقد أدمن على إخفائه بالحناء حيناً وبالأصباغ أحياناً.. تجرأت مرة وسألته: هل تصبغ شعرك يا عم راشد؟! قال ضاحكاً: (أتراني تجاوزت الأربعين! قلت: إنك تبدو في الأربعين بالفعل مع أنك أكبر من جدي بخمس سنوات!! وجدي شعره كاللبن).
تفرقنا في دروب الحياة وبعد شهر لقيت العم راشد في الطريق فلم أعرفه فناداني قائلاً: ألم تعرفني؟ قلت إنك غير العم راشد تماماً، ولولا صوتك ما عرفتك أبداً قال: اجلس لأحدثك لماذا لبست ذلك المظهر الخادع.
كانت لحيته بيضاء كالثلج، وقد تناثرت في رأسه شعرات سوداء كأنها بعض الماعز بين قطيع الشياه البيضاء قال بنصف ابتسامة: إن الناس قد تحدثوا كثيراً عن مظهري الخادع، ولكني لم أعبأ بهم فهم في النهاية ليسوا رؤسائي في العمل وإنما (حكواتية).
وأنا الآن يا وليدي تقاعدت، تقاعدت برغبتي، وكنت أعمل في شركة تنتهي فيها صلاحية الموظف حين يشتعل رأسه ولحيته بالبياض وشهدت أشخاصاً أصغر مني طويت ملفات خدمتهم، وقيل لهم مع السلامة وقبروا أحياء!!
وليست ذلك المظهر الخادع صبغت لحيتي ورأسي لحاجتي إلى العمل حتى كبر أولادي وقبل أن أفاجئ الشركة بهذا البياض كانت استقالتي بين أيديهم ماذا أفعل يا وليدي في زمن مخادع؟ ومجتمع كل من فيه مخادعون.. إلا من رحم ربي، بل إنه مجتمع دفان لا يسأل عنك أن تواريت ولا يرحمك إن أطلق عليك إشاعة مغرضة فهو يميتك ويحييك دون رحمة أو شفقة. إن كل شيء تغير في مجتمعنا إلا هذه الطباع المستهجنة.
إن علينا جميعاً واجباً كبيراً نحو هذا الوطن أن نقتلع هذه الأشواك من مجتمعنا.!
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض