يمضي الشاعر فيصل أكرم إلى حيث حزنه الدائم مدركاً أن الشعر بلا حزن حالة من برد عديم.. فالشاعر: نراه وقد تمسك بالحقيقة التي تأتي مفعلة ومدوزنة، وذات إيقاع ثابت منغم، على نحو أمنية، أو وعد ببلوغ شفق السعادة البعيد.
ديوان الشاعر فيصل أكرم وسمه بعنوان مكابد يعكس الألم (شربنا من الكون حتى العدم)، فالشاعر ومنذ أول جملة شعرية شدا فيها نراه وقد بات مولعاً باقتفاء تفاصيل أحزانه الجديدة على هيئة قصائد تثير كوامن الذات، وتسجل موقفا جمالياً يضيف للأحزان زهوها الفاتن في عوالم أحزاننا الملونة.
يسترشد الشاعر أكرم في ثنايا ديوانه بجملة من الشواهد الإنسانية على نحو ما ورد في قصيدة (عودة إلى متاهات صغيرة):
هل كنت تعرف أن الذين يصدون عني
يريدون أن أتقدم حيناً
إلى كل ذاكرة تنتهي
كما كل شاردة تختفي..
فهل أنت سوف تطيق التخلي؟!
وهل أنت سوف تطيق التراجع؟
فالشاعر يضع الحياة الإنسانية في مشهد استنطاقي لا يقبل المواربة، فالحقيقة هي التي تنمو في هذه العلاقة المتوترة دائماً بين (عي الشاعر) و (غفلة من حوله).. فالتوتر ينبني على واقع يسترعيه الشاعر، ويجد أنه أكثر قرباً إلى تصوير الحالة العامة للناس الذين لا يرون في الشاعر وشعره مزية البقاء، في وقت يفيض فيه أكرم بشاعرية تؤسس لمجد القصيدة وإن ظن من حوله عليه بأي وئام، وتصالح، أو بحثاً عن منجز توافقي يجعل الشاعر في مجد شعره، ويحيل من سواه إلى مجرد حالة ما لوفاق ممكن.
الشاعر فيصل أكرم يقدم مشروعه الشعري من خلال هذا الديوان وهو يرتكز على حقيقة ثابتة هي أن (الشعر حياة)، مؤكداً ذلك بنبرة المعرفة الحقيقية حيث نراه وقد صنع من واقعه الإنساني جملاً شعرية غاية في الإدهاش.
وبما أن الشعرية في الديوان ذات أثر واضح فإن فيصل أكرم تأنق فيها وأظهرها على نحو بديع يعكس قدرته على صياغة الكلمة الشعرية الحافلة بالجمال، إضافة إلى أنه عني في رسم العديد من المشاهد الوجدانية التي تنغرس في الذات على نحو:
(نثراً أقول:
لك نافذتي وبابي..
وشعراً أقول: تجلَّ بي يا صاحبي..)
فهو في جل القصائد يحلق عالياً في فضاء الوجدان الذي يعاني عوز العاطفة، بعد أن أضحت عملة نادرة يعز على من أرادها الظفر، ويعجز عن أن يحقق في كنهها وتفاصيلها.
ديوان (شربنا من الكون حتى العدم) يرسم لنا خريطة الإنسان الآيل إلى مفازة لامعة، تعمرها الخلائق، لكنهم غير قادرين على عبورها حتى وإن تسلحوا بالشعر، وأضاؤوا الدروب القفر بضياء الحقيقة التي تنوس آخر ذبالاتها لفرط حزن يعيشه الشاعر، والمتذوق على حد سواء.
يبقى أن نشير إلى أن الشاعر فيصل أكرم أبدع فعلاً في رسم تفاصيل هذه المشاهد الإنسانية من خلال هذه القصائد التي تمتاح من لغة عفية، وتنهل من ذاكرة تختزن العديد من الصور التي يظهر بعضها حزيناً راعفاً وقليل من تلك الصور مبهج باذخ.
***
إشارة:
شربنا من الكون حتى العدم (شعر)
فيصل أكرم
دار الفارابي - بيروت - 2008م
يقع الديوان في نحو (102 صفحة) من القطع المتوسط.
لوحة الغلاف للفنان: فارس غصوب