1
غرفة مظلمة ومزدحمة بأشياء نافقة: قارورة خاوية ورائحة امرأة عطرها يلتصق على الجدران.. حذاء شققته الطرقات.. جوارب رائحتها نتنة.. صحف قديمة … وردة حمراء ذابلة … بقايا طعام يلتهمه الذباب … رائحة العفن تشتد… يتقيأ ويلبس ما تيسر له ويمضي إلى الخارج.
2
نافذة ترى الشارع … رجل يتمدد باسترخاء … ينهض الرجل من مكانه بصخب جليل ويدخل البيت … يفر الأطفال … ويخرجون إلى الشارع القبيح والآسن.
3
سيارة تنهب الأرض … غبار كثيف … نخلة سال دمها على قارعة الطريق … أحذية أطفال ممزقة وأوراق ملونة تتقاذفها الريح … يتجمع الناس ولا أحد يبكي.
4
يعلو ضجيج الناس وينتشر وباء الكلام … ويصبون لعناتهم على: البيت المفتوح … الجدران التي لم تقاوم صخب وضجيج الرجل الغاضب … وعلى الأطفال الذين لم يتعلموا معنى العلاقة السرية بين الإنسان والأرض … وعلى الذين يسترخون قدام أبواب البيوت.
5
يخرج الرجل إلى الشارع …. يتمدد عند البيت باسترخاء … تزدهر الغرفة برائحة العفن … يتسلل الأطفال إلى البيت كالجرذان …! يمضي يومه وتتلبسه الكآبة واليأس.
6
يهبط الليل بقسوة غير مسبوقة.. يختفي وهج المصابيح.. وتصير السماء قبة عمياء.. فينطوي على نفسه ويبدأ بالنحيب.
يخرج من بيته الظالم والمظلم، وبعد خطوتين يقع في حفرة غائرة نصبها رواد الظلام وأعداء الصباح.
7
بناية محصنة.. نوافذ كفيفة.. سيارة واقفة.. عجلاتها ملطخة بدماء زكية.. حارس يراقب المارة والداخلين والخارجين والعيون التي تحاول أن ترى.. ثم بعد أن يستوي على كرسيه يقول لنفسه: النساء هن أسباب الشرور في هذه الدنيا.
8
تتلاشى أصوات الناس.. تتفشى العتمة.. أقدام وأطراف مبثوثة.. بقايا بقايا.. التراب لم يعد ترابا.. التراب يحتضر. من وراء جدران المقابر تطلع فتاة نصف عارية وتقول بجلال: من يعمر هذا البيت: يبني جدرانا تقاوم صخب الرجل الغاضب.. يعلم الأطفال أسرار حب البلاد.. من ينحت قارورة جديدة.. يزرع صباحات وخزامى.. يفتح نافذة وطريقا جديدة وحديقة غناء.
9
تزول كآبته ويقبل على الحياة ويرسم: غرفة معلقة على أبواب السماء.. كتابا أبيض مفتوحا.. بيتا بلا أسوار.. رجلا يخاصر حبيبته في وضح النهار.. أطفالا يضحكون.. شمسا وقمرا وبحرا ورملا وشاطئا، ثم يعلق لوحته في قلب المدينة.