كلما أشاهد وأسمع عن تكريم لأحد رموز الثقافة والأدب في بلادنا أفرح وأقول: لازلنا بخير في ظل طغيان ثقافة سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وبالأمس القريب كرمت جمعية اللهجات والتراث الشعبي بجامعة الملك سعود كرمت معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي. وجاء التكريم عبر قراءة للأكاديميين والمثقفين في إنتاج الشيخ العبودي وسيرته العلمية والذاتية. والحقيقة أن كنزا مثل العبودي (شيخ الرحالين) لا يجب أن يذهب مثل غيره دون أن نصنع معه ما لم نصنع مع غيره، فهذا العلامة يعد من أهم العلماء الموسوعيين السعوديين الذين أثروا المكتبة العربية بأكثر من 171 كتابا يتحدث معظمها عن رحلاته في مختلف أقطار العالم إبان عمله في رابطة العالم الإسلامي. وقد بدأت علاقتي الشخصية مع هذه الكتب مبكرا حتى استهوتني شخصية الشيخ العلامة وسيطرت علي، وكانت بحق هذه الكتب خير دعاية للرابطة ولما قدمته المملكة للمسلمين في أنحاء العالم.
ومما يميز العبودي - وليس هذا مجاله على كل حال - أنه لم يقصر حياته على التأليف في فن واحد فهو علامة في اللغة والنحو والبلاغة والجغرافيا وعلم الأنساب وغيرها. وله صوت لا تخطئه الأذن عبر برامجه المتنوعة في الإذاعة.
وشيخنا الجليل أعرف أن الكثيرين قد كتبوا عنه وله.. وأعرف كذلك أنه تلقى تكريما من عدة جهات لعل أبرزها اختياره شخصية العام الثقافية في الدورة التاسعة عشرة للمهرجان الوطني السعودي للتراث والثقافة (الجنادرية) لعام 2004م. وأتذكر وقتها أن أستاذنا القدير الدكتور إبراهيم التركي - مدير تحرير الشؤون الثقافية بالجزيرة - قد أجرى لقاء مطولا مع معاليه ومناسبة مثل هذا الحديث عن الشيخ العبودي ليس رصدا لتاريخ حافل بالعطاء، فهو ليس بحاجة لمقالتي، وليس بحاجة إلى تكريم محفلي وصحفي ولا بحاجة إلى أن يوضع اسمه على مدرسة للبنين - مثلا - كل ما يحتاجه مثل هؤلاء هو أن يتم تسخير مجموعة من الشباب الأكاديمي المتخصص في التأليف لخدمة هذا الشيخ الجليل الذي شارف على الثمانين من عمره المديد ولديه أكثر من مئة كتاب مخطوط تنتظر الطبع، وبعضها في مجلدات كبيرة، وهذا الدور يجب أن تقوم به وزارة الثقافة والإعلام لمساعدة هذا الرجل الموسوعي فلم يعد في العمر قوة تعينه على الركض في ميادين العلم والتأليف والرحلات. وهذا التوجه يجب أن يكون دائما ولكل العلماء الأجلاء، فهل سنساعد عميد الرحالين العرب مثلما ساعدنا وأمتعنا وأفادنا؟!
منيف خضير
mk4004@hotmail.com