عندما شرفت باستضافتي في برنامج.. (المشهد السعودي).. في قناة عين عبر شبكة(ART) وذلك يوم الثلاثاء 10-3-1429هـ. وكان الحديث يدور كموضوع رئيس عن مهرجان الجنادرية فتطرقت من ضمن حديثي عن استقدام المثقف العربي والإصرار الكبير من إدارة المهرجان على دعوة أسماء محددة بذاتها، وقلت يومها: إن بعض.. (المثقفين العرب المستقدمين).. بمجرد نزولهم من سلم الطائرة في بلدان يكونون قد كتبوا مقالات صحافية ضد بلادنا، ويوجهون النقد القبيح وبكل أصنافه المختلفة ويعملون على نشر عوراتنا ويكبرونها في حين أنهم كلهم عورات، واحتراماً لسياسة القناة التي استضافتني لم أستطع يومها من ذكر الأسماء رغم أنني قلت: إن ذاكرتي مليئة بالأسماء من هذا النوع من المقالات.
وموضوع استقدام المثقف العربي لم يستطع أحد في الصحافة السعودية تناوله من السابق، وذلك بسبب المحاذير التي تحد من ذلك ، فأزعم أنني من أوائل الذين تناولوا هذا الموضوع حيث سبق لي أن أشرت إليه ضمن مقالاتي الصحافية بالمجلة الثقافية بجريدة الجزيرة. وذلك يوم الاثنين 13-2- 1427هـ بالعدد (144)، وبالصفحة (8). ثم قرأت أخيراً مقالاً لأخي الأستاذ خالد السليمان والمنشور بجريدة عكاظ بعددها (15190) وتحت عنوان (صندوق البذاءة)، جاء فيه ما نصه: (رغم كل البذاءات الكاذبة التي تخرج من صندوق (الحكواتي) أسامة أنور عكاشة ضد الخليج وأهله خاصة الشعب السعودي إلا أنه والله لم يكذب حين قال في حوار نشرته مجلة سعودية مؤخراً عن سر انتشار أعماله الفنية في الخليج رغم مشاعره العدائية تجاه الخليجيين الناس دي عايزة شغلي، همه اللي بيجروا ورايا، أنا ما جريش وراء حد)!!
فنحن نتلقى شتائمه في النهار فنشاهد مسلسلاته في قنواتنا في الليل، ونتلقى شتائمه في الليل فنقرأ تصريحاته وحواراته في صحافتنا في النهار!!).
***
أريد من خلال هذا العرض لبعض أسماء المثقفين العرب الذين نستقدمهم ونحترمهم ونقدرهم ونضعهم في الصفوف الأولى في مناسباتنا ومهرجاناتنا وحفلاتنا، ويسكنون في الأجنحة بفنادقنا الفخمة والعالمية التي لا تعطى لأي مثقف سعودي، نعم أريد أن أصل إلى بعض أولئك المستقدمين الذين لم يحفظوا لنا الود والوفاء والتكريم والعطايا المعنوية والمادية التي أعطيت لهم، ولم يقدروا أنهم جلسوا بجوار حكامنا وصافحوهم وتشرفوا بالسلام عليهم، وهذا الشرف الكبير لم يحظ به أي مثقف أو كاتب أو مفكر أو شاعر سعودي إن جلس بجوار حاكم عربي أو سلم عليه أو منحة جائزة علمية أو ثقافية أو أدبية.
حقيقة نحن وأعني أصحاب القرار في إدارات المهرجانات والمناسبات الرسمية من رئاسة الحرس الوطني ووزارة الثقافة والإعلام لم يتعلموا من الدروس السابقة: فمثلاً أريد أن أذكر الجميع ببعض أسماء المثقفين العرب ومواقفهم منا ومن بلادنا وهم:
1- الأستاذ أسامة أنور عكاشة وصف الشعب السعودي كله في مقالاته الصحافية أيام الأزمة التي ظهرت بسبب الطفل المصري والمعلم في مدينة القصيم. بقوله (هؤلاء الأقزام عاوزين يستعبدون الناس..). وفي موضع آخر يقول: (هؤلاء الأقزام يريدون عودة الرق بنظام الكفيل..) وغيرها من عبارات كلها سفه. وحقد وحسد.
2- الأستاذ إبراهيم نافع الكاتب الصحافي المصري قال يوم 25-8-1990م وبالصفحة (3) وتحت عنوان: (رداً على رسالة صدام).. قال في تلك المقالة هذا المقطع الذي يدل على سوء النية والمقصد. (وقد نوافق الرئيس العراقي على أن هناك بالفعل خللا في توزيع الثروات او أن هناك أفكارا ومخططات جديدة ومدروسة يجب بحثها لكي تتحقق العدالة بين الأغنياء والفقراء، أو بين ما يطلق عليه الباحثون اسم دول المغنم ودول المغرم).
3- الدكتور فؤاد زكريا، كتب مقالا على شكل صفحة كاملة بعنوان (محنة العقل في أزمة الكويت) وذلك يوم 25-8- 1990م. بالصفحة (13) بجريدة الأهرام المصرية جاء فيه: (2- : إعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للعالم العربي، ما من شك في أن الهيكل الحالي للعالم العربي ينطوي على ضروب من التفاوت والتباين لا ينبغي قبولها من وجهة النظر الساعية إلى تحقيق مستقبل أفضل للشعوب العربية فهناك تفاوتات هائلة وغير عادلة في الثروة وفي الحجم السكاني.
4- يضاف لذلك ما قاله وكتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل، في كتبه وأحاديثه المتلفزة ضدنا في قناة الجزيرة القطرية، وكذلك رياض الريس، وغيرهم كثير.
ان كل هؤلاء الكتاب وغيرهم يكتبون عن بلادنا عبر (نواياهم) ولا يكتبون (بضمائرهم)، نعم انهم يجمدون ويتركون ويتعالون على ضمائرهم، لذلك تخرج تلك (السموم) من أفواههم ضدنا.
إلى متى نظل.. ونظل نستورد (المثقف الأجنبي) ليعطينا دروساً خصوصية في (الوطنية) و(الولاء) و(الثقافة)..؟ وإلى متى نظل.. ونظل نستورد (المثقف الأجنبي) للمشاركة في فعالياتنا الثقافية والوطنية، مقابل شنطة مليئة بالدولارات الأمريكية، وعندما تنتهي يبدأ نفس ذلك المثقف بالنيل من بلادنا، ومنا.
وهذا التجربة الاستيرادية ربما كانت تفيد في مرحلة ما من مراحل البناء والنماء التي قامت في بلادنا، وربما كنا نتعامل معها لحاجتنا - حينذاك - إلى من يرفع صوتنا خارجيا، أما اليوم فهذه التجربة غير مفيدة، ولا تنفعنا، ولا تفيدنا بل إنها تضرنا بشكل مباشر. كما أنها ترهق المال العام السعودي الذي يصرف على عملية استيراد (المثقف الأجنبي) وما يترتب عليها من تبعات ومصاريف مالية مرهقة لموازنة الدولة، فاليوم تملك بلادنا وسائل إعلام قوية، بل مؤثرة وفعالة، تؤدي أدواراً أكبر وأنظف وأفضل وأرقى مما يؤديه المثقف المستورد.
وكم يؤسفني ان أقول وأتكلم بصراحة عن المواقف الدولية تجاه المثقف والثقافة السعودية، فأمامي عدد من جريدة أخبار الأدب المصرية الصادرة يوم الأحد الموافق 8-1-2006م، وبالصفحة (4) نشرت خبرا على عمود واحد وطول (6) سنتمترات. نشر في هذا الخبر المهم والعالمي فوز الأستاذ الدكتور تمام حسان، أستاذ علم اللغة بجائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والآداب مناصفة مع المغربي عبدالقادر فهري.
أليس من المؤسف والنكران للجميل، وعدم التقدير، وعدم الاهتمام؟!. بأن ينشر خبر مثل هذا مهم للغاية عن جائزة عالمية ربما تكون في نفس مكانة وقيمة جائزة نوبل العالمية. والفائز بها مواطن مصري. يهمل الخبر ولا يتعامل معه باحترام ثقافي وتقدير إعلامي مميز، لأن المكسب في هذا الفوز هو لمصر قبل أن يكون لجائزة الملك فيصل العالمية، فماذا نفسر مثل هذا التهاون والاستهتار بالثقافة السعودية؟!
هل هو غرور؟
هل هو تعال؟
هل هو حسد؟
هل هو غيرة؟
هل هو استهتار؟
أسئلة حيوية كثيرة تدور في دماغي حول مثل هذه المواقف وغيرها ولكن أخجل واستحي أن أبوح بها كاملة حتى لا نفهم خطأ، أو تفسير تجاه المثقف والثقافة السعودية.
إن منهج (استقدام المثقف) دفع إلى (ارتهان الثقافة السعودية) للمستقدم، فاستغل ذلك المثقف هذا الضعف فينا، فجعل بلادنا منبرا لطموحه لتحقيق كل النزعات الضيقة فأصبح يتكلم عن المسكوت عنه.
إذن يمكن لي أن أقول: إنه حان وقت المراجعة والفحص والتدقيق في مواقف أولئك المستقدمين من المثقفين والكتاب والشعراء والأدباء، وأن نتعامل معهم حسب مواقفهم.
واليوم،- ولله الحمد- بلادنا ليست في حاجة إلى هذا النوع من (النفاق الثقافي) و(الرياء الصحافي والعلمي والفكري)، إنهم يتعالون حتى على جوائزنا العالمية!
هل وصلنا لهذه الدرجة من المهانة والتردي حتى نستقدم من يتطاول ويتجاوز علينا وينال من مكتسباتنا، ومن جهودنا الثقافية والعلمية العالمية؟.
أخشى ما أخشى إننا لو استمرينا في هذا المنهج الذي يدعو لدعوة واستقدام المثقفين العرب فإن ذلك سيكون.. (عورة).. قد تستغل أو يستغلها بعضهم ضدنا، يعتبر أننا سذج ولا نفهم مصالحنا، ونخاف من تلك الأصوات.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض وساعة العرض، وأثناء العرض.
د. زهير محمد جميل كتبي - أديب وكاتب سعودي
Faranbakka@yahoo.co.uk