كلما قرأت كتاباً عن الأمثال، أتبين أهمية السرد الروائي، فالأمثال تفتقر للتفاصيل المندغمة بالحيوات، لذلك فإنني بعد أن أطوي الكتاب، لا أعود أذكر شيئاً منه، بينما في الرواية تخلد تلك التفاصيل في الذاكرة كصور وأشياء حسية ذات دلالة ومعنى، بينما الأمثال مجرد تراكيب لغوية تنزلق منذ البداية خارج الذاكرة رغم كل فخامة معناها، إضافة إلى أن الأمثال شبيهة بالشعر من حيث الأحادية في التأثير، فهما يعززان نزعة ما، ومكمن جمالي، يظل مضللاً، وملتبساً، وغوغائياً، وعمومياً، رغم أن الأمثال بكل تأكيد تفتقر للإيقاع، والقوة الشعرية التي قد تدفعك إلى تكرار ترديدها ومن ثم حفظها. أسوق هذا الكلام وأنا أعاود لمرات كثيرة قراءة كتاب (هادي العلوي) -المستطرف الجديد- الذي عمل فيه على تحويل كتب التراث إلى ما يشبه الأمثال أي أنه انتقى من كتب التراث ما رآه يستحق التجميع والتوصيل من حكم وأقوال، وحوادث ونصائح، ومفارقات.. الخ، وبالفعل فإنني هناك فقط في تلك الملاحظة التي تبلورت لدي عن إشكالية تعاملنا وتفاعلنا مع الأمثال تبين لي أنني كنت أعني بذلك كتاب -المستطرف- ل(هادي العلوي)، وكون الرجل لم يكن سوى جامع، ومنتق فإن المشكلة إذاً، تكمن بكتب التراث نفسها، أي أن هذه الكتب على اختلاف اهتماماتها، ظلَّت مفتقرة لتلك الخصلة الجوهرية التي أعاقنا عدم وجودها، عن أي استلهام حقيقي تجاوزي لتجربة الأسلاف. فالأسلاف كما هم في كتب التراث، خلّفوا لنا ما يمكن أن أسميه وقائع، وقائع التاريخ، ووقائع الناس، وإذا استثنينا وقائع التاريخ، كشيء يكتب بالطريقة نفسها على صعيد عالمي، فإن وقائع الناس، صيغت على شكل مقولات، وحكم، ومأثورات، وما شابه، حتى الحكاية التي تتسم بها بعض هذه الكتب، مثل كتاب (الأغاني) الذي هو أغناها على الإطلاق بهذا الصدد، فإنها لا تخرج أي الحكاية كثيراً عن هذه المقولات، كونها ظلت تفتقر لتلك الخصلة الجوهرية التي ذكرت، وهي الخصوصية الإنسانية.
إن الحكاية، أي حكاية، التي لا تبرز لنا خصوصية أبطالها وسيكولوجيا دوافعهم، وما خفي من ارتجافاتهم وتناقضاتهم وأهوائهم، لا تعيننا على الرؤية، ولا تبدد بعض الضباب من سككنا، وتتحول بالتالي إلى مجرد جزالة لفظية لا تزيد مصطلحاتها إلا إمعاناً في الوعظ، والوعظ كما نعلم لا يصنع الناس أبداً.