لأني شرقية لابد أن أصنف ذاتي وأرتّبها مسبقا، وأضع علامات الترقيم والتعجّب، وأسكب ذاتي في كؤوس الآخرين لشرح نفسي وتوضيحها.
ولأني شرقية يتوجّب علي قول نعم في جميع حالاتي النفسية، وفي كل زمان ومكان لمن أخضع لسلطتهم، فتواجدي في الظل هو مطلب اجتماعي وضرورة ملحة فرضتها القيم الاجتماعية السائدة.
ولأني شرقية ليس لي الحق في البحث عن اللحظات الضائعة لأشكلها حتى تصبح ذات معنى، فالوقت غير محدود، والزمن غير معدود، وغالباً ما أضيعه في ألم وجمود.
ولأني شرقية لا أستطيع أن أكتشف أن الحياة جميلة ومثيرة إلا من خلال الآخرين، فتتبخر حياتي كلحظات الفرح، ويضيع عمري بين مطرقة الألم وسندان الكآبة.
ولأني شرقية لابد أن أعيش عصر الحماقات والشتاء الأزرق، فهما غيمتان سوداء ورمادية منسوجتان في بعضهما، ويصعب فصلهما ككرة الصوف المتشابكة، فمخالفة هذين الخيطين معناه المشي فوق حافة الألم.
ولأني شرقية فأنا أؤمن بالاعتماد على الآخر بشكل مريع، فهو شيء لا يتوقف عن النمو ويزداد تضخماً كلما تقدمت في العمر.، ولأني شرقية فلا أزال أعيش بين دوائر الجهل بي، ومنحنيات سوء فهمي ومثلثات العادات الاجتماعية التي تحاول ان تلبسني رداء السذاجة، وتكشف هي عن ذكاء خارق قادم من عالم العنصرية المسكون بالحماقات.
ولأني شرقية.. اتساءل كيف يمكن أن تكون شكل أفكاري، ومن أي خيط اجتماعي تنسج المثقفة أفكارها، فالصراعات الثقافية جاءت متبخترة منذ بدء الخليقة، ولكنها مختلفة باختلاف العقول، ومنظومات القيم التي تتشكل منها الثقافة هي منظومات وجدانية ترتبط برموز الوطن وتتشكل في الإنسان من خلال التنشئة الاجتماعية، ومنظومة القيم الادراكية من المعارف والحقائق العلمية التي يستوعبها الإنسان خلال التنشئة، كذلك منظومة القيم التفضيلية على أساسها يفاضل الإنسان بين الأشياء ويختار بينها، فهي تستند على القيم الوجدانية والادراكية، هذه المنظومات تجتمع في كُلّ مكتمل، اجتماع أكثر أناقة لتشكيل ثقافة الإنسان (المرأة والرجل) ودوائره المتداخلة، وأفكاره المتأرجحة بين حروف وكلمات، معتقدات وتطلعات، مصيره ووعيه الإنساني، هي أشبه بفوضى جميلة عاصفة، ولكنها متماسكة كعقد اللؤلؤ.
ولأني شرقية.. سوف أعقد صداقة بين عقلي وقلبي.. فهناك بعض العقول تعيش خارج نطاق الوعي والإدراك تتواصل مع المحيط الخارجي ولكنها فارغة لا يوجد لديها أي تقنية من تقنيات التفكير والإدراك والتحليل.. فبدائية تقنيته تجعله عرضة للعطب والنقد الدائم من الآخرين.
