لا يخلو منزل فنان من وجود زاوية يمارس فيها إبداعه ويخلو فيها مع عالمه وأدواته ويجري فيه حواراته مع ما ينتجه معترضاً على البعض.. مقتنعاً بالآخر، هذه الزاوية يسميها البعض (مرسم) والبعض الآخر (ستوديو) أو (محترف) ومع اختلاف تلك التسميات أو ما يأتي لاحقاً لا يغير من الهدف الذي أنشأ من أجله فللمكان الذي نختار له من تلك التسميات (المرسم) يعتبر الرئة التي يتنفس فيها الفنان ويشكو له حاله، يبث فيه همومه التي تؤدي به إلى الإبداع، فالمرسم أصبح جزءاً مهماً في حياة كل الفنانين، بما يشكله من علاقة روحية لا يشعر بها إلا من تعامل معها خصوصاً إذا كان المرسم جامعاً كل ما يتعلق بمتطلبات تطوير العمل الفني منها الجانب الثقافي من مكتب أو جهاز كمبيوتر رصد فيه مواقع الفنانين أو قاعات العرض العالمية إلى آخر المنظومة إضافة إلى اكتمال أدواته الفنية حسب مجاله إن كان نحتاً أو رسماً أو أياً من مجالات الفنون التشكيلية، فبهذا التكامل في المرسم يمكن للفنان أن يمارس فنونه في أي وقت يشاء.
مراسم عالمية
كما أشرنا فالمكان الذي اخترنا له اسم (مرسم) جزء من تاريخ الفنانين العالميين كما هو بالنسبة لأي فنان في كل دول العالم إلا أن الاختلاف يبرز في جانبين الأول يختص بحجم المرسم من حيث المساحة والجانب الثاني مدى تفعيل هذا المرسم ودوره في دعم الفنانين، فالحجم أو المساحة لا علاقة له بمستوى إبداع الفنان فهناك من الفنانين العالميين ومنهم فنانين عرب لا تتعدى مساحة مراسمهم بضعة أمتار ومع ذلك نجد إنتاجهم وفيراً ومتميزاً أيضاً، وتبقى أهمية المساحة في ما يؤديه صاحب المرسم من دعم للفنانين وتحويله إلى محترف يتلقى فيه المبتدئون أصول الرسم كما هي مراسم العديد من الفنانين العالميين التي تلقى فيها عباقرة الفن دروسهم منهم على سبيل المثال مرسم الرسام لوزان الذي تلقى فيه الفنان جويا أصول الفن، ومرسم الفنان دومنيكو جدلانتاجو الذي استقبل فيه الفنان مايكل أنجلو في عمر الثانية عشرة أما الفنان رامبرانت فقد تلقى دروسه في الفن في مرسم الفنان جاكوب فإن سوانبرغ، كما لا ننسى أيضاً المراسم العربية من أشهرها مراسم الفنانين العراقيين سعد الكعبي وخالد الجادر وفي سوريا فاتح المدرس الذي تخرج من مرسمه الكثير من الفنانين. إلى آخر المنضومة.
المراسم المحلية
بالطبع لا يمكن أن نتخيل أن بيننا فناناً لا يوجد لديه تلك الزاوية التي يقتطعها من منزله أو أن يستأجر لها مكاناً خارج المنزل، ومهما كان حجم الزاوية أو المرسم فهي أمر لا مفر منه ليجمع الفنان فيها شمل إبداعه ويبعد فوضويته التي يراها منظمة وجميلة عن بقية حال المنزل الذي يحرص على أن يكون نظيفاً مرتباً لهذا ومن خلال ما حظينا به من زيارات لمراسم عدد من الزملاء في فترات بعيدة أو قريبة يمكن لنا الاستشهاد بها كونها الأكثر شهرة بين التشكيليين منها مراسم الفنانين بالرياض ابتداء من مرسم الفنان محمد السليم يرحمه الله الذي كان ملتقى لمختلف الفنانين للمملكة ممن يزورون الرياض إضافة إلى استضافته لزوار المملكة من التشكيليين، يأتي أيضاً مرسم الفنان علي الرزيزاء الذي حظي بزيارات رسمية من ضيوف وفنانين عرب وخليجيين كما هو مرسم الفنان سمير الدهام ومرسم الفنان سعد العبيد الذي لا يقل عن سابقه مع ما أضاف له مؤخراً من مساحة تستوعب عدداً أكبر من الزوار كما تمكنه من إقامة دورات للرسم للموهوبين، وكذلك مرسم الفنان ناصر الموسى، كما نجد في المنطقة الشرقية مرسم الفنان عبد الرحمن السليمان الذي جعل فيه وقتاً للالتقاء بالتشكيليين بالمنطقة الشرقية جمع فيه شملهم أنعش فيه روح الحوار التشكيلي، وهناك مرسم الفنان علي الصفار في القطيف ومرسم الفنان زمان جاسم الذي يمثل نموذجاً لطموح الشباب وتحقيق النتائج التي وصل بها إلى مساحة أكثر قرباً لأعين المتلقي المحلي والخليجي والفرنسي، كما نجد في جده مرسم الفنان عبدالله حماس الذي تحول إلى مصنع للإبداع بديناميكية صاخبة وفي أبها هناك مرسم الفنان عبدالله شاهر الذي لا يخلو من زواره في كل صيف وفي القصيم مرسم الفنان صالح النقيدان، ومن جانب التشكيليات هناك مرسم حميدة السنان وزهرة بوعلي في المنطقة الشرقية وعلا حجازي في جدة بالطبع هذه نماذج لا تعني أن هؤلاء الفنانين هم فقط من يمتلكون تلك المراسم كما أشرنا في المقدمة بل إن غالبية الفنانين لديهم مراسم ومحترفات وفي مختلف مناطق المملكة.
المراسم ودعم المواهب
حينما تمر بي عبارة مرسم الفنان فلان أتذكر ما كانت عليه مراسم الفنانين الكبار أو ما قيل في سيرهم الذاتية من أنهم تلقوا تعلم تقنيات الرسم في مراسم فنانين سبقوهم أو أنهم يستقبلون في مراسمهم المبتدئين من الفنانين وتعليمهم أصول الرسم، تلك الشواهد تعني أن للمراسم دوراً كبيراً في الأخذ بأيدي الفنانين المبتدئين وأن ما يقدم في غالبيتها أفضل بكثير مما يقدم في قاعات الرسم في الأكاديميات كما أن لها تأثير كبير على الساحة في حال تفعيلها بين التشكيليين أنفسهم بأن يشارك مجموعة من الفنانين في مرسم واحد أو ينتجوا عملاً مشتركاً وهي تجربة عالمية قام بها العديد من التشكيليين منهم على سبيل المثال، حيث أنجز الفنانان (روبنز) و(بروكل) قبل أربعمائة سنة لوحة واحدة انسجمت فيها الفكرة والتقنية في اللون والخطوط والكتل حتى بدت هذه اللوحة وكأنها إنجاز فنان واحد.
هذه الآلية المتمثلة في تفعيل المراسم التي تابعنا نماذج عالمية منها وأيضاً عربية لا زلنا نفتقد وجودها في محيطنا المحلي إذ لا يمكن لأي راغب في تعلم الفن من الاستفادة منها من خلال خبرات أصحابها خصوصاً من أصبح لديهم أساليب متميزة وتجارب تمكنهم من منحها للآخرين إلا من بعض مراسم التشكيليات التي أشرنا إليها عند ذكرنا للمراسم المحلية ومنها مرسم الفنانات زهرة بوعلي وحميدة سنان وعلا حجازي مع اقتصار بعضها على الأطفال واهتمام الأخرى بمستوى أعلى.
لقد اقتصرت مختلف المراسم على الملتقيات التي يطرح فيها قضايا الفن ودراسات الأعمال الفنية وتحليلها وأحيانا تكون لمجرد لم الشمل وتجديد العلاقات بعيداً عن محاولة استقطاب أو دعوة أو الإعلان عن دورات مجانية للموهوبين أو حتى في تقديم تجارب أصحاب تلك المراسم لزملائهم الفنانين.
المعلم شبح المبتدئين
قد تكون المعضلة الأهم في حال منح الفنانين الفرصة للموهوبين أو للراغبين من الفنانين لاكتساب الخبرات في مراسمهم هي في خوف أولئك من أن يشار إلى أنهم خريجو هذه المراسم أو أنهم نسخة طبق الأصل من أصحاب تلك المراسم وأنهم قد طبعوا أساليبهم على أعمالهم، مع أن كل تلك التهم إن صح التعبير أمر طبيعي وواقعي يمكن للمتدرب الاعتزاز بها عوداً إلى اعتزازه بمعلمه إضافة إلى أن الفنان الحقيقي يستطيع تكوين شخصيته الجديدة باستمراره في البحث والإبداع المتواصل، إذ لم يكن يرى كثير من الفنانين العالميين عيباً عند ذكرهم للفنان أو المرسم الذي تلقوا فيه تعليمهم.
السؤال الأهم هنا ماذا لو فتح الفنانون مراسمهم للراغبين في تعلم الرسم هل سيجدون دعماً من الجهات المسؤولة بتسهيل سبل هذه المساهمة منهم وماذا لو وضع أصحاب تلك المراسم رسوماً على الملتحقين بالدورات لتغطية تكاليف الأدوات هل ستخضع لنضام التجارة والرخص والإجراءات الأخرى.