عندما تخلف الشمس موعدها، فسيكون هناك ما يمكن قوله لها عندما تأتي، فكر في عتابها، لومها، انتابه سرور لعدم حضورها فهي تلوح قلبه بوهجها، ولكنه اعتاد هذا الألم، حن إليه..
من وراء الأفق تطل عليه دائماً، لما تأخرت، تردد هل ينتظرها أم يسافر إليها، قرر الانتظار، تململ، يحتل قلقه مكان النوم في عينيه، يحرقه الانتظار، تتعلق عيناه بالسديم، يحاول تمييز الحد الفاصل بين الأفق والسماء.
تحاصره الوحدة، تملأ جنبات نفسه وحشة الأفق الشاحب، والليل الداجي، يمد بصره فلا يرى إلا الظلام، وطوق الغيم الذي يملأ سماءه، تحتويه ذاكرته التي لا تغادر من الأحزان شيئاً، فينساق وراءها، مسافراً في مهب الذكريات، تعبث بقلبه، تنكأ جراحه، تعرض أفراحه التي أفلت.
وعندما أطلت بصوتها ينسكب بحنان في أذنه، وينفذ إلى قلبه، يتلفت حوله، فإذا الأفق يمتد، والدنيا تبسم له، والغيم ينشق عن قمر يبدد العتمة، وإذا نفسه تغسل أحزانها برذاذ الفرح، وترقص على ألحان أريجه، يصرخ قلبه، فتسكته، ينصت، ينزوي قلبه مختبئاً، وراء نفسه التي ما تزال ترقص، يرقب المكان المكتظ بأريج غنائها، يحضر صوتها ويغيب قلبه الصامت، وعقله الذي لم يكن هناك.