شققْنا طريقاً في الجبالِ.. تقُودنا
غُيوم.. وشمسٌ فوقها تتربعُ
كأنَّ الجبال الصم.. في كفِّ عزمنا
تخورُ قواها.. ثمَّ تجثو.. وتخضعُ
تسلل غيمٌ.. بين فتحةِ مِعْطفي
فنحنُ ثلاثٌ.. والغمامةُ أربعُ
فتلكَ غيومٌ.. مثل أمّ تضمنا
إلى صدرها.. والبردُ قاسٍ وموجعُ
وفي ثديها.. مُزنٌ.. بطعمِ حنانها
تلذُّ له.. شمُّ الجبالِ وترضعُ
طريقٌ كما الثعبان.. في روغانِهِ
سيخفِضُ طوراً.. ثم طوراً سيرفعُ
ألا إنما التكبيرُ.. يكبِتُ خوفنا
يُشتت تهويل الجبانِ ويصفعُ
ولما هبطنا.. ألجمَ السِّحرُ ألسناً
وكادتْ عيونٌ.. بالمحاجرِ تُقلعُ
تراءى لنا وادٍ يقالُ لهُ (دَفَا)
لهُ في جِنانِ الخلدِ.. أصلٌ ومنبعُ
أشارَ بوردٍ.. في الكفوفِ تخضبتْ:
لكمْ بين أحشائي.. مقامٌ ومربعُ
ألا أيها الرَّكبُ المسافرُ.. وقفوا
فهذا جمالٌ.. فوق ما يُتوقع!
كأنَّ يد الحوراءِ.. مستْ ترابهُ
فأضحى يواقيتا.. من البرق يلمعُ
لجينٌ مذابٌ.. شقَّ في المرْجِ سيرهُ
إذا قامَ صوتُ الرعدِ.. تلقاه يُسرعُ
وينسابُ من بينِ الصخورِ.. ترنماً
فتُصغِي لهُ الأطيارُ.. والفجرُ يسمعُ
تميدُ غصون الأقحوانِ.. من الندى
فيَهْتزُّ وجدٌ.. في الفؤادِ ويدمعُ
يطالعُنا ظبيٌ يتيهُ تكبراً
له قمةٌ فيها.. ملاذٌ ومرتعُ
وغابتْ.. فلم ندري.. أغابت حقيقةً؟
أم الغيمُ أعماها؟.. فراحتْ تودعُ
وقمنا نجاري الشكَّ.. والليل واقفٌ
وفي الليلِ أسرارٌ.. وللعشق موضعُ
فأرخى ستاراً.. بالنجومِ مطرزاً
وللنجمِ أفلاكٌ.. بها يتسكعُ
سلامٌ على بدر.. تبسم ضاحِكاً
وصورتُهُ في وجه (أزهار) أروعُ
على صفحاتِ الماء.. يسري تَموُّجا
ويمشي على خدِّ الجبالِ.. ويسطعُ
ويلهو على الأغصانِ.. يهتك نومها
فتشكو.. إلى النجمِ الحكيمِ.. وتفزعُ
أهاجَ لي الوادي.. حنيناً ولوعةً
إلى وصلِ من أهوى.. وأدنو.. فتمنعُ
حلمتُ بلقياها.. فصارتْ أمانياً
تعللُ نفسي.. عندما تتوجعُ
أيا عذبةَ الأنسامِ: قد طالَ هجرُنا
وطالتْ مسافاتٌ.. وما زلتُ أطمعُ
سألقي عصا الترحالِ.. في كلِّ بلدةٍ
إذا كان للعشاق.. مأوى ومضجعُ