جرى ذكر الشاعر غيلان بن عقبة في مجلس بحث فاختلف في لقبه فذهب قوم إلى أنه (ذو الرُّمة) بضم الراء، وأكد أحد الفضلاء أنه بكسر الراء، وقال آخر إنه بهما أي يلقب بضم الراء أو كسرها. واللغويون يفرقون بين لفظين (الرُّمة) بضم الراء، و(الرِّمة) بكسرها. قال ابن دريد في (الاشتقاق) (والرُّمَة: القطعة من الحبل. والرِّمَّة: ما رمَّ من العِظام). وجاء في معجم (الصحاح) للجوهري: (والرُمَّةُ: قطعةٌ من الحبل باليةٌ، والجمع رُمَمٌ ورِمامٌ. ومنه قولهم: دفَعَ إليه الشيءَ بِرُمَّتِهِ... والرِمَّةُ بالكسر: العظام البالية). ولم أر -في حدّ معرفتي- من ضبط لقب الشاعر بكسر الراء. ولعل من ذهب إلى أنه يضم ويكسر استفاده من معجم (القاموس المحيط): (و«رمَّ» العَظْمُ يَرِمُّ رِمَّةً، بالكسر،... والرُّمَّةُ، بالضمِ: قِطْعَةٌ من حَبْلٍ، ويُكْسَرُ، وبه سُمِّي ذو الرُّمَّةِ). والفيروزبادي لإجماله جاء غامض العبارة؛ فلعله أراد أن اللفظ (الرمة) يضم ويكسر على اختلاف في المعنى، ولا يعني أن قطعة الحبل يقال لها رُمّة بالضم ورِمّة بالكسر، والدليل أنه يقول بعد ذلك: (وبالكسر. العِظامُ البالِيَةُ، والنَّمْلَةُ ذاتُ الجَناحَيْنِ، والأَرَضَةُ). على أن من اللغويين من صرّح بأن لقبه بضم الراء قال الرازي في (مختار الصحاح): (والرُّمّة بالضم قِطْعة من الحَبْل بالِيَة والجمع رُمَم ورِمام وبها سُمِّي ذُو الرُّمَّة). ومما يؤكد أنه بضم الراء أن الروايات التي تعلل تلقبه بهذا اللقب كلها تنتهي إلى بقية الحبل، ومنها ما أورده صاحب (الأغاني): أنه استسقى مية ماءً فقامت فأتته بماءٍ، وكانت على كتفه رُمَّة؛ وهي قطعة من حبل، فقالت: اشرب يا ذا الرُّمَّة؛ فلقب بذلك... وقال ابن حبيب: لقب ذا الرُّمَّة لقوله: (أشعث باقي رُمَّةِ التقليد).
وقيل: بل كان يصيبه في صغره فزعٌ، فكتبت له تميمة، فعلقها بحبل، فلقب بذلك ذا الرُّمَّة. وجاء أيضًا: (أن أم ذي الرمة جاءت إلى الحصين بن عبدة بن نعيم العدوي... فقالت له: يا أبا الخليل؛ أن ابني هذا يروع بالليل، فاكتب لي معاذةً أعلقها على عنقه... ثم إنها مرت مع ابنها لبعض حوائجها بالحصين وهو جالس في ملأ من أصحابه ومواليه، فدنت منه، فسلمت عليه، وقالت: يا أبا الخليل، إلا تسمع قول غيلان وشعره؟ قال: بلى. فتقدم فأنشده، وكانت المعاذة مشدودةً على يساره في حبل أسود، فقال الحصين: أحسن ذو الرُّمَّة؛ فغلبت عليه). وأما في اللهجة اليوم فلا يستعمل إلا الرِّمة بالكسر وتعني البقية الهالكة يقولون دعاء: (جِعِلْ ما لُه رِمِّه)، وضبط السويداء في (فصيح العامي في شمال نجد) الرِّمة بالكسر وفسرها بالجيفة، فمعنى الدعاء: أهلكه الله حتى لا تبقي له جيفة أو بقية. وجاء في (كلمات قضت) للعبودي: يقال للعاجز الكسلان: فلان (رِمّه) إذا كان لا ينتفع به بعمل. وأصل ذلك أن الرمة عندهم هي جثة الميت، وبخاصة إذا مضى عليها وقت. والذي ننتهي إليه أن لقب غيلان بضم الراء لا بكسرها.