كشف الشاعر فاروق شوشة بعضا من الجوانب الخافية في حياة الشاعرة الكبيرة الراحلة نازك الملائكة وأزال بعضا من الغموض الذي اكتنف مسيرتها وقال في ندوة عن دور الإعلام في تنمية المرأة، التي نظمها مركز سوزان مبارك الإقليمي لتنمية المرأة مؤخرا: إن نازك تمثل نموذجا مهما لتطور مسيرة المرأة في المجتمعات العربية فهي من الجيل الذي أدرك التعليم في مطالع وجود التعليم في العراق، وإنها من مواليد 1923 واستمرت في التعليم ودخلت مدرسة المعلمين العليا التي دخلها بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وغيرهم.
وأوضح أن (الملائكة) ليس اسم عائلتها، ولكن الناس والجيران أطلقوا على بيت تلك العائلة اسم (الملائكة) لهدوئه وسلامه وأمنه وعلاقاته الهادئة مع الجيران التي يحكمها جو غير مألوف في بغداد، فقالت الناس هذا بيت الملائكة، فحملت نازك ذلك الاسم وكذلك أمها التي كانت شاعرة وعمها أستاذ اللغة العربية والعروض، فضلا عن الموسيقى التي كان يعزفها أفراد البيت.
وأوضح شوشة أن نازك كانت تعد نفسها لأن تصبح عازفة عود، ومن المعروف أن العراقيين يجيدون العزف على العود وضرب مثلا بأصغرهم سنا الآن (نصير شمة).
وأضاف: كانت نازك تعزف الموسيقى وتحبها، وكانت تستمع إليها من خلال الراديو على محطة إذاعة القاهرة، وتصادف أن الإذاعة المصرية بدأت بثها ونازك في سن المراهقة، ففتنت بأغنيات عبدالوهاب وأم كلثوم واكتشفت العالم من خلال إذاعة القاهرة وكانت نازك تردد هذه الأغنيات وتطرب لها وتدرس الموسيقى، وهذا تفسير اهتمامها بموسيقى الشعر أو العروض، وهذا هو سر إتقانها للشعر الجديد بوعيها للتراث الشعري والعروضي.
ومن إذاعة القاهرة سمعت نازك عن وباء الكوليرا عام 1948 ففزعت من أرقام الموتى بهذا الداء، وإذا بها تخرج بانفعالها على الشكل العروضي التقليدي وتبدع قصيدة (الكوليرا).
وأشار شوشة إلى أن نازك حضرت فى صدر شبابها إلى مصر وكتبت عنها على الرغم من ذهابها إلى إنجلترا للدراسة، وأتيح لها في مصر أن تُلقي محاضرات في معهد الدراسات العربية فألقت محاضراتها عن الشاعر علي محمود طه وجمعت هذه المحاضرات في كتاب كبير، وكم هو جميل أن تكتب شاعرة عن شاعر تحبه.
ويضيف شوشة أن نازك عملت أستاذا في جامعة الكويت، وكان زوجها د. عبدالهادي محبوبة معها، وعندما تركت الجامعة جاءت إلى مصر وعاشت فترة طويلة من الزمان، وكان يُطلب منها في شيخوختها ومرضها أن تعود إلى العراق، فتقول: وطني هو مصر وأهلي هم أبناء مصر، وكتبت أكثر من قصيدة، منها (شمس القاهرة).
وحكى فاروق شوشة أن نازك الملائكة في إحدى زيارتها للقاهرة عام 1962 جاءت إلى الإذاعة لتزور الشاعر محمود حسن إسماعيل، وكان المستشار الثقافي للإذاعة وقتها، وكانت صغيرة الجسم فوقفت ببابه خجلى ولم تدخل وهو يتأملها، واستمر الصمت بينهما أكثر من خمس دقائق، وكأنها دهر.
ويقول محمود حسن إسماعيل لفاروق شوشة: في النهاية أحسست أن الواقفة ليست امرأة عادية، تكوين ضئيل ينتمي إلى بقايا امرأة، ولكن في عيونها من الحياء والخفر والبريق الغريب. وانتهى الصمت بقوله: تفضلي يا شاعرة.
ويقول محمود حسن إسماعيل لفاروق شوشة: الطريف أنني كتبت عنها مقطوعة شعرية. ويوضح شوشة أن محمود حسن إسماعيل آثر ألا ينشر تلك المقطوعة أبدا.
ويرى فاروق شوشة أن عالم نازك الملائكة فيه اكتئاب كبير، ربما كان تكوينها الأنثوي هو السبب الأول في ذلك، فليس لديها ما تزاحم به النساء، وأنها تزوجت في سن متأخرة.
وقال إن زملاءها في الشعر مثل السياب والبياتي، ركبوا موجة السياسة وصاروا أكثر شهرة منها، كما لم يتح لها أن تتصعلك كالشعراء لا في بغداد ولا في أي مجتمع عربي، ولم تعش مثل جيلها من الشعراء الرجال الذين تصعلكوا، فظل عالمها الشعري هو عالم نفسها المنطوي المحدود، ويقرأ مثالا على ذلك قصيدتها (عاشقة الليل) التي جعلت عنوانها عنوان ديوانها الأول.