* منذ انطلاقة الشعلة الأولى حملتْ كلٌّ منهما لهفة المثقف الطامح إلى تلقف ملامح الإبداع وتجلِّيات البوح المتعطش إلى الابتكار، واحتضان كلِّ تجربة بشوق ومتعة وإعجاب. وبرغم اختلاف توجُّه كلّ من الصحيفتين، وتفاوت أنساق عناصر الكيان الذي قامت عليه كل من المطبوعتين (المجلة العربية) و(الدعوة) فقد كانت الذاكرة تحمل ملامح من أضواء التألُّق، والتنافس الحيّ لتقديم إضافات جديدة في كل عدد للقارئ المتابع تحرِّضه على الصلة، والشوق إلى الانتظار. وقد تجاوزت صحيفة (الدعوة) في بدايتها مراحل التجربة، وتوكيد الحضور بكلِّ فعالية واقتدار مدعمة بحماس المؤسسين، وعزيمتهم على المنافسة والتجاوز والتفوق لما تمتلكه من مبررات التأصيل والحضور والجدوى مع الانفتاح على الثقافة والأدب واستقطاب تجاربها، وتشجيعها بما يضمن الصلة والاستمرار، حتى تمكنت من اكتساب مساحة كبيرة من التلقي والمتابعة والقيام بالدور الإعلامي والثقافي المقنع لأصحابها برغم تواضعه، وتواضع ما حوله من الصحف آنذاك إلى أن تحولت صحيفة (الدعوة) إلى (مجلة) تجمع بين الثقافة الدينية والأدب وما له صلة بهما من قريب بأسلوب لا يبتعد على الخطابية والمباشرة والاعتيادية، ولا يتوسَّع في معالجة المصالح الاجتماعية والخدمات التنموية المختلفة لضيق الرؤية ومحدودية النظرة، والقناعة بالسائد الموجود، وما يضمن صدور المجلة في طابعها وثوبها التقليديين، ورفضها لكل ألوان التجديد والابتكار والتألق. وقد مضت على هذا النهج السائد الترتيب سنين طويلة في ظل الدعم المقرر المفتقر إلى رغبة الطموح والتغيير، وأنفق في تحريرها عدد من الأقلام حبراً ومعاناة وجهوداً تمر مرور الكرام دون التفات أو لفت نظر يمكن أن يحرك الركود أو يؤثر في شرائح من المجتمع ذلك التأثير النابض لعدم توفر وشائج الصلة والاتصال مع القنوات الإعلامية والاجتماعية الواعية المؤثرة، مما أدى إلى تضاؤل الاهتمام بها وإعراض عدد من الأقلام والقراء عنها مع تغيَّر العناصر الإدارية بعناصر أخرى أكثر رتابة وبروداً، وأقل حماساً إلى إشراقات التغيير والتجديد والابتكار.
* أما (المجلة العربية) فقد كان انطلاقها ذا همَّةٍ وطموح وحماس تحمل في آفاقها العزيمة والثقة ومبررات الحضور والتأثير، يدعمها فكر واعٍ مسكون بالإبداع يتمثل في شخصية الأستاذ منير العجلاني -رحمه الله- ونظرة ذات أبعاد عميقة جادة تستحث وتدعم الفكر والثقافة دون حدود متمثلة في شخصية الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ - رحمه الله - سارت معها المجلة بخطوات واثقة طامحة متوثبة إلى خدمة الأدب والتراث والوعي والثقافة منسجمة مع ما تشهده البلاد من نهضة وانطلاق وتجديد، ثم عبرت المجلة مراحل التجربة الأولى بنجاح أكد حضورها وثقة القراء بذلك الحضور الذي تطور إلى شيء من التنويع والشعبية التي اكتسبتها المجلة في وقت الأستاذ حمد القاضي لكنها اقتنعت بتلك الشعبية وما يردها من القراء، وباستقطاب عدد من الكتاب والأقلام التي استقطبت شرائح من القراء، ولم تطمح بعد استقرارها في الذاكرة وضمان استمرار الصدور، لم تطمح إلى آفاق أروع للحضور والتأثير عبر أقانيم وصور من التحديث والتجديد والتجاوز فأخذت تراوح مكانها، وتدور في حلقات مفرغة، خفتت في صفحاتها تجلّيات الإبداع والابتكار، وتولَّى عنها نماذج من المبدعين نحو آفاق أكثر تعبيراً وحضوراً، ولم تعد كل من مجلة (الدعوة) و(المجلة العربية) ذات تأثير خلاَّق في استقطاب مساحة أكبر من الأذواق والقراء والمعبِّرين، وأصبحت كل منهما دانية من التعثر والسقوط أشبه بصحف الحائط في المدارس الحكومية التقليدية، لا تحمل الألق والابتكار في المحتوى والإخراج. ولا تلفت النظر ولا تدعو إلى المطالبة بالاستمرار لتضاؤل الجدوى، وضعف المحتوى، وتواضع الرؤى والفعالية، وقلّة الإبداع.
ولما يسكن الذاكرة والوجدان من محبة لكل من هذه المطبوعين اللتين احتضنتا تجربتي وتجارب عدد من رفاق الإبداع منذ البداية وفي مرحلة الشباب وجزء من الشيخوخة، فكم كنتُ أطمح إلى آفاق أكثر إشراقاً، وحضور أعمق أبعاداً لهما داخل المملكة وخارجها لضمان التأثير في أنسجة الوعي والفقه والتوجيه، وكم كنتُ أطمح من خلال تعاوني وتعاملي مع هاتين المطبوعين الأثيرتين إلى أرقام أضخم في التوزيع خارج المملكة لتحمل الثقافة والفكر إلى البلاد الأخرى، وتعطي صوراً معبرة عن بلادي ومفكريها وكتّابها، ولكنني لم أحظ من ذلك بشيء يرضي الطموح على مدى السنوات العشرين أو العشر الأخيرة، لذلك أتمنَّى لو يتخذ أصحاب القرار المسئولون عن هاتين المجلتين قراراً فعّالاً يرتقي بطاقات هاتين المطبوعين ويمكنهما من التجديد والتغيير نحو الأفضل من النواحي الفنية والإدارية والفكرية لاستثمارها لمصلحة الفكر والوعي وصناعة الوعي والثقافة والإبداع في المملكة لينسجم مع عناصر التجديد والنهوض والارتقاء في ميادين شتى تعود بالجدوى على المجتمع الذي تستقطبه قنوات شتى توفر فيها مبررات الحضور والتعبير والابتكار، أو فليصدر القرار بإيقاف المجلتين لعجزهما عن التأثير والتعبير وعن الاستمرار الأمثل.
ولم أر في عيوب الناس عيباً كعجز القادرين على التمام