الآن وقد مضى على رحيل الأستاذ ناصر بن حمد المنقور ستة أشهر من دون أن أسمع أو أقرأ ما عملته الجامعة لهذا الرجل، رغم أنه أو من عمل للتحضير لإنشائها عندما كان مديراً عاماً لوزارة المعارف بين عامي 1375-1377هـ فأذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله عندما كان وزيراً للمعارف قد استضاف مدراء جامعات القاهرة وبغداد ودمشق والجامعة الأمريكية في بيروت.
وأن ناصر المنقور هو الرجل المناط به ملف تأسيس الجامعة، وعند اكتمال الدراسات وإعلان انشائها ثم تكليف الدكتور عبد الوهاب عزام بإداراتها، لمدة عام تقريباً حيث توفي فجأة عام 1378هـ فتولى إدارة الجامعة من بعده ناصر المنقور إضافة لعمله كمدير عام لوزارة المعارف.. ويسرني أن أستعرض شيئاً من سيرته ومسيرته المشرَّفة، فمن حقه علينا أن نذكره ونشكره على ما قدم لوطنه ومجتمعه خصوصاً وقد انتقل إلى مثواه الأخير - رحمه الله- وكما ورد في الحديث الشريف (أذكروا محاسن موتاكم..)..
جاء من حوطة سدير - مسقط رأسه- وسط نجد إلى الرياض مع شقيقيه (عبد المحسن وسعد) الذين يكبرانه إلى الرياض وهو لم يتجاوز العاشرة من
عمره. . وعمل كصبي لدى الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل الشيخ
(أبو حصاة) ورافق أبناءه. وعند سفرهم للحجاز لأداء فريضة الحج بقي بمكة لطلب العلم وذلك في حدود عام 58-1359هـ، وكانت محطته المعهد السعودي ثم مدرسة تحضير البعثات وتخرج منها عام 1367هـ وكان الأول على دفعته مما أهله للالتحاق بالبعثات، وأظنها الدفعة الرابعة التي توجهت للدراسة بمصر حدود عام 1367هـ إذ إن كتاب (من وحي البعثات السعودية) لصالح جمال الحريري والمطبوع عام 1368هـ الموافق 1949م قد نشر صور طلاب كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة وهم : محمد منصوري، ناصر المنقور، عبد الله أبو العينين، عبد الرحمن السليمان، عبد الرحمن أبا الخيل، حمد الخويطر، جميل أبو سليمان، عبد الله بوقس، حبيب بخش. إلى جانب صور بقية أفراد البعثة في الكليات والمدارس الأخرى. ونجد عبد الله الوهيبي - رحمه الله- أمين جامعة الملك سعود فيما بعد يقول : إنه تقرر أن يبتعث للدراسة الجامعية بمصر عام 1371هـ بعد تخرجه من مدرسة تحضير البعثات بمكة.
ومن زملائه محمد علي حبشي ومحمد الشامخ ومنصور الحازمي وعبد الرحمن الطيب الأنصاري وأحمد الضبيب وعبد العزيز الفدا.. ويذكر أن الذي استقبلهم بالقاهرة - وهو على وشك التخرج- ناصر المنقور الذي تجول بهم، وأطلعهم على معالم القاهرة وخصوصاً الأهرامات.
وسمع منصور الحازمي أن المنقور يعد من طلاب الامتياز ولكنه لا يعرف معناها، حتى سأل فقيل إنه من الأوائل الذين حصلوا على أعلى الدرجات وهو يسمى الامتياز، ولم يكن معروفاً لدينا مثل هذه التسميات.
عاد - المنقور- إلى أرض الوطن يحمل شهادة البكالوريوس في الآداب سنة 1372هـ 1952م وعمل بضعة أشهر ملحقاً في وزارة الخارجية. وسريعاً ما تسلم عمل الشيخ حمد الجاسر -معتمد المعارف في نجد- الذي انتقل ليعمل إلى جانب المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم في إدارة المعاهد العلمية والكليات عند تأسيسها.
وفي العام التالي أصبح مديراً للتعليم في نجد. وعند تأسيس الوزارات أصبح مديراً عاماً مساعداً للتعليم ثم مدير عاماً للتعليم بوزارة المعارف وفي سنة 1378هـ وإثر وفاة مدير ومؤسس جامعة الملك سعود عبد الوهاب عزام المفاجئة عين مديراً لها، وفي السنة التالية أصبح وزير دولة لشؤون رئاسة مجلس الوزراء ثم وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية. ومنذ عام 1384هـ 1964م انتقل للعمل الدبلوماسي سفيراً في اليابان، ثم السويد ،ثم أسبانيا، وأخيراً في بريطانيا حتى تقاعده عام 1417هـ.
يقول عنه زميله - بوزارة المعارف- محسن باروم في حديث الذكريات إنه في عام 1380هـ حصل سوء تفاهم بينه وبين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن وكيل الوزارة. وخشي المنقور من تطور الخلاف فاقترح بمجلس الوزراء افتتاح أول مكتب يرعى شؤون الطلاب السعوديين في أوربا ويكون مقره مدينة (جنيف) بسويسرا، وترشيحه لإدارته..
ونجد حمد الجاسر يقول في (سوانح الذكريات) :إنه عندما كلف بالعمل مع الشيخ محمد بن إبراهيم في المعاهد العلمية ذهب للأمير سعود - ولي العهد- ليشكره على ما لاقاه من سموه من عون أثناء عمله، فسأله عمن يراه صالحاً ليتولى عمله، كمعتمد للمعارف في نجد، فذكر له الأستاذ ناصر بن حمد المنقور وكان حديث التخرج في كلية الآداب من مصر ويعمل وقتها في وزارة الخارجية.
وقال الجاسر في معرض حديثه عن المعهد العلمي بالرياض إن طلابه قد أنشأوا مكتبة اختار أكثر مؤلفاتها إخوانهم من طلاب البعثات السعودية كالأستاذ ناصر المنقور وزملائه، وفيها من الكتب الحديثة، ومن المراجع العامة الشيء الكثير، دفعوا ثمن ذلك من تبرعاتهم.
وعند تأسيس الجاسر لمجلة اليمامة وصدورها من القاهرة عام 1372هـ نجده يقول في (سوانح الذكريات): (.. ويتوالى نشاط أولئك الأحبة من أبنائنا الطلبة ممن أصبحوا فيما بعد يتسلمون أعلى المراكز في الدولة من وزارات وغيرها، منهم بل أبرزهم وأنشطهم بالنسبة للعمل في هذه الصحيفة في أول نشأتها اثنان هما :ناصر المنقور وصالح الحصين، ومن أولئك عبد الرحمن أبا الخيل وعبد العزيز السالم ومحمد بن عبد الرحمن الفريح وعبد الرزاق الريس وعبد الرحمن بن سليمان آل الشيخ وحسن المشاري، وإبراهيم العنقري وعبد الله الطريقي، إلى آخرين لا يتسع المقام لذكر أسمائهم من مشاهير الكتاب والشعراء الذين في استطاعة القارئ أن يرى آثارهم فيما نشرته المجلة في سنتيها الأولين.
وفي بداية عام 1385هـ نجد المنقور يكتب كلمة الصحيفة (أمل وأمل) في العدد الأول من جريدة الرياض في عهد المؤسسات الصحفية.. إذ كان أحد أبرز مؤسسي هذه المؤسسة والتي أصدرت قبل ذلك صحيفة ثم مجلة اليمامة إلى جانب الشيخ حمد الجاسر وزملائهم.
لقد نال رحمه الله عدداً من الأوسمة منها:
- وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الثانية.
- وشاح النجم الساطع من الصين الوطنية.
- وشاح الاستحقاق المدني الأكبر من أسبانيا.
- وسام فكتوريا الأكبر في بريطانيا.
الآن، وقد رحل إلى الدنيا الآخرة قبل أشهر فمن حقه علينا أن نذكر جميل أفعاله ونشكره، فقد اختتم حياته بإنشاء مركز للرعاية الصحية بمسقط رأسه (حوطة سدير) باسمه وباسم شقيقيه عبد المحسن وسعد، وافتتحه معالي وزير الصحة الدكتور حمد بن عبد الله المانع يوم الأربعاء 3 من صفر 1428هـ -21 فبراير 2007م أي قبل خمسة أشهر من وفاته رحمه الله.
الأمل كبير في ألا ينسى مثل هذا الرمز الكبير والرجاء موجه للمسؤولين في أن يخلد ذكره في تسمية بعض المؤسسات التعليمية وغيرها باسمه. كما أرجو من جامعة الملك سعود ممثلة بمديرها النشط عبد الله العثمان أن يطلق اسمه على أحد شوارع الجامعة أو مبانيها أو مراكزها.
كذلك فلعل مهرجان الجنادرية لهذا العام يضعه ضمن من يكرمهم كل عام، فذلك عرفان بالجميل، وتذكر لأعمالهم العظيمة.