قليل أولئك الكتاب، والأدباء، والنقاد الذين يكتبون في أعمدة الصحف والمجلات، بأسلوب ومنهج أدبي وعلمي رفيع رصين، وذي قيمة معرفية، ترتفع بذوق القارئ وحسه، ومداركه، وتسلط الأضواء على القضايا الفكرية والاجتماعية، وعلى ما يصدر من إبداع فني في مجال الشعر والنثر، وكافة الفنون المختلفة.. نحن أحوج ما نكون إلى معالجتها والأخذ بها، وتقويمها، وفق منهج يسمو على الذات والعواطف، والمجاملات.
إن المتتبع لهذه الأعمدة التي تقذفها المطابع يومياً على قارعات الصحف.. يجد أن معظمها ينحو منحى المجاملات والأخوانيات، التي لا تنشد إلا إبراز رسم الصورة والتوقيع، والثناء الزائف لهذه المقالة أو تلك ولهذا الكتاب أو ذاك. وبالتالي لشخص الكاتب أو المبدع والمؤلف، وعندما تريد أن تتعرف على حقيقة الأمر تجد أن ذلك لا يعدو أن يكون كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء...
فهذا الشاعر الذي لا يحسن صف الجمل والكلمات ولا وضع الفواصل والنقاط.. يغدو الشاعر الذي خرج من رحم المعاناة، ودنا فتدلى فأوحى بهذه الرائعة التي يعجز عن مثلها شعراء كل اللغات... كيف لا وهي طلسمة من طلاسم محيي الدين بن عربي، وجلال الدين الرومي، وغيرهما من دهاقنة الشعر، والرمز والمعميات: فهو إن وضع مجموعة من النقاط تأنق وإن وضع كلمة وفاصلة ونقطتين فقد حلَّق.
وفي الرواية... وما أدراك ما هية، فمن أراد الشهرة سعى إليها ركضاً، واستعان بدور النشر والتوزيع البيروتية، لتختار له العنوان الأكثر إثارةً، وحبذا لو يوشح الغلاف بصورة إحدى الحسناوات، أو صورة المؤلفة إذا كانت على قدر من الجمال.
تحول إلى مضمارها العديد من شعراء الشهرة، وروائيات ساعة الغفلة. ولقي هذا التيار الروائي التقريظ والتشجيع، والتلميع ، لا لأن رواياتهم في غاية الحبكة والجودة، وتلزم قواعد الفن الروائي والدرامي وتؤذن بمولد رواية سعودية واعدة...ولكن لأن الروائي هو (فلان) أو لأن الروائية (أنثى) يجب الأخذ بيدها، وجبر خاطرها على مبدأ (رفقاً بالقوارير) ولا بأس إن أقحمت بعض المشاهد السردية عن الجنس وتحدثت عنه برومانسية وإثارة جاذبة للقارئ.
حتى ولو كانت هذه الرواية من السقوط فنياً وهي إلى يوميات باعة البقالات منذ عقود أقرب منها إلى القصة فضلاً عن الرواية.
إننا بحاجة إلى النقد الموضوعي الذي يؤسس ويبني.. لأن غيابه أوصلنا إلى هذه الحالة من البؤس الثقافي والفكري.. يقول الشاعر الأمريكي -وايتمان- (نحن نتعلم أفضل الدروس ليس من الذين يمدحوننا، فالمديح توريط إذا لم يأتِ في موضعه، بل نتعلم من الذين ينتقدوننا، ويكشفون نواقصنا).
والواضح من كلام (وايتمان) أنه يقصد الكتابات الناقدة حيث المديح المجاني من الناقد فيخلق نوعاً من الغرور والنرجسية لدى هذا المبدع أو تلك.. والحالة لا بد مريرة في الكتابات الصحفية الشكلية، فأغلب هذه الكتابات مرتجلة وهي - قُبَلٌ- لا جمر في موقدها ولا رماد...