يتشكل الحلم في مجموعة (مدينة الغيوم) لشريفة الشملان تشكلاً أنثوياً يرتبط بمواجع المرأة وتطلعاتها للأمومة، ففي قصة (أسقط فرحى )تطغى الطبيعة التكوينية لصورة الأنثى وتسيطر على السياق القصصي، وتتدفق هذه الصورة حيه يقظة من خلال حلم الوعي تقول: (أريد أن يصير لي بيت وأن يكون هنالك صغير يرقد في أحشائي، يشرب دمي تسعة أشهر، كل ليلة قبل أن أنام أناغيه أحكي له أجمل القصص (ص 45 فمن خلال مشهد قصصي مكثف، نجد الحلم يضيء عتبات الذات الإنسانية، ليبرز الجانب الذاتي، ويتكئ عليه حضور صورة المرأة الحالمة بالزوج والطفل والبيت، وهي إضاءة منوعة تجمع بين الطبيعة النفسية للمرأة والطبيعة التكوينية لها، وتتمثل الطبيعة النفسية في تطلعاتها لطبيعتها التحنانية ومناغاة الطفل.. (قبل أن أنام أناغيه.. أحكي له أجمل القصص) كما تبرز الطبيعة التكوينية للمرأة في (أن يكون هناك صغير يرقد في أحشائي، يشرب دمي تسعة أشهر) ومن ثم يجمع حلم الأنثى بالزوج والأمومة بين مكونات الذات المعنوية والمادية، مصوراً حالات النفس الإنسانية، وترصد القاصة الأحداث الدامية المسيطرة على الواقع المعيش، والتي تدهس الحلم تقول (أعود للبيت وقد غادرني حبوري، وسلسلة ذبح الأطفال تملأ كل ما حولي من بحر البقر، إلى حافلات المدارس إلى جوع وموت ملايين الأطفال، حتى موت الطفل محمد الدرة بحضن أبيه، لا أعلم لم أرد أطفالاً؟! لأكن عاقراً.. فهذا الزمن ضد الأطفال، زمن بلا مستقبل (ص 46) وينهض الصراع بين عناصر الحلم وعناصر الخوف والاهتراء، فيتراجع الحلم في مقابل سيطرة سلسلة من الانكسارات المسيطرة من ذبح وقتل وجوع وموت للأطفال، وتنمو درامية المشهد القصصي عبر الإحالات السياسية، حين تتناص في المشهد القصصي مستويات سياسية قومية، ويسهم فعل التناص في إذكاء روح الصراع بين مقومات الحلم وعناصر انكساره، ويخلص المشهد الشعري لتغليب استسلام الذات لهذه العناصر، (لا لم أعد أريد أطفالاً.. لأكن عاقراً) في مقابل طغيان الزمن القاهر الذي يستسلب الذات حلمها (فهذا الزمن ضد الأطفال)
وفي قصة (إعلان موت شاعرة) يمتزج الوهم بالحلم بالواقع تقول (لا أدري أهي ذاكرتي بدأت تصاب بالعجز كعجز جسدي، أصبحت أناغي أطفالاً في أحلام اليقظة، أناديهم على اسم أبي وعمي الكبير وكل معارفي نساءً ورجالا، وأقص لهم قصصاً وحكايات، بدأت أحاكي أصواتاً كثيرة أغلق التلفاز وأسب المذيعين، وأكثرت من الحلوى، حلوى مدورة لامعة بعمود صغير من الخشب ألعقها بتلذذ والخادمة تداري ضحكة، فتستفزني وأشتمها والبلد الذي قدمت منه (ص70) فعجز الجسد وقصوره عن إنجاب الأطفال أدى إلى عجز الذاكرة، فنجد المرأة تستسلم للوهم ويسيطر الحلم، فتتعرى الذات الأنثوية، وتكشف عن المستويات النفسية والوجدانية، التي تشير إلى حاجة المرأة إلى الطفل، حين تصنع من الوهم عالماً موازياً لعالم الواقع (أصبحت أناغي أطفالاً في أحلام اليقظة) وترتبط الصورة بفيض عاطفي يجمع بين صورتي الأب والطفل (أناديهم على اسم أبي وعمي الكبير) إذ تتسع الصورة لتضم إلى جنباتها كل الأحبة (كما أن عجز المرأة عن تحقيق الحلم بالطفل جعلها تتقلد سلوك الأطفال فتمص الحلوى، ثم تنتقل الصورة إلى مستوى ديناميكي يحررها من أسر الجمود، ويشير إلى تناميها، ويسهم في توليد دفق عاطفي وشعوري، حين تحكي للأطفال حكاياتها (وأقص لهم قصصاً وحكايات) وتتوالد الصورة وتسعى إلى خلق عالم حلمي جديد، يفتح مجالات متعددة تشير لحالات الاستعذاب الحلمي، ويبرز المشهد عبر فعل قصصي يصدم المتلقي، ويحقق قدراً من الدهشة، من خلال الانزياح الذي يتمكن من الصورة الحلمية، التي يرتبط فيها السلوك الإنساني للأنثى بعلاقات جديدة ومغايرة للعلاقات الافتراضية، فعجز الأنثى عن تحقيق حلمها بالطفل جعلها تقوم بفعل مضاد، يصبح جزءاً من عوالم الطفولة، وتتقلد سلوك الأطفال فتمص الحلوى (حلوى مدورة لامعة بعمود صغير من الخشب ألعقها بتلذذ) ويخترق هذا الفعل الدال العلاقات القائمة في الواقع الاجتماعي، لتنسج المرأة من جديد علاقاتها بالعالم، من خلال رؤية مغايرة، يحل فيها الممكن محل اللاممكن، فينشط الحدث الواقعي الموازي للحدث الحلمي، وفق مستويات وجدانية تناهض ارتباطاتها بالمستويات الحلمية لتصبح العلاقات الحلمية مرتبطة بعالم الواقع، متشكلة من خلال روابط وعلاقات جديدة، تجمع مفاصل الحلم المتباعدة بعالم الأمومة والطفولة، ومن ثم يتشظى الحلم على بؤر حدثية، تمثل حركة الوعي النشطة لذات إنسانية تعاني التوتر والقلق، وينعكس ذلك على أنساق البنية القصصية، التي يصدمها الحدث الواقعي المقابل لها (والخادمة تداري ضحكتها) وهو حدث استفزازي ينتقل بالحالمة من عالم الحلم إلى عالم الواقع القبيح فتستفزني وأشتمها والبلد الذي قدمت منه.
كما يمثل الحلم بالطفل حصانة اجتماعية للمرأة، في مقابل صورة الرجل المهتزة في وعيها، تقول في قصة (الله يستر على الولايا) وتعجب لهذا الرجل ذي الوجهيين، وجه للجماهير والأنوار، ووجه للشوارع الخلفية، وتسب اليوم الذي أقنعتها أمها فيه بالموافقة على زواج سري. وكنت أمني نفسي بطفل يتكون في داخلي، يعيد لي اعتباري، قد يؤلمني أن أشعر كأنني أنتقل من جارية لأم ولد، لكن لا بأس طفل يضيء حياتي، أناغيه جنيناً ثم كائناً من دم ولحم، يجعل أيامي جميلة بانتظار ما يحدث. لكن الأيام تمر والجنين الموعود لا يأتي (ص97)