دار حوار مثير بيني وبين الدكتور عبدالله الوشمي في برنامج المنتدى الثقافي بإذاعة الرياض بصحبة الأستاذ الشاعر عبدالله السميح حول موضوع الإصدارات الشعرية المحلية الحديثة؛ ومن أبرز المحاور المثيرة آنذاك هي البحث عن مخرج للفوضى والضعف الذي يتسم به المشهد الثقافي؟ ولأن البرنامج كان مباشرا ومدته محدودة فلم يتسن لي أن أقول كل مافي نفسي - وكما قال الدكتور عبدالله الوشمي مقدم البرنامج: إن من أنجح البرامج الحوارية هي التي ينتهي فيها الوقت ولم ينته الكلام بعد - وها أنا ذا أحاول في هذه المساحة أن أقول مالم أقله؛ وما يدفعني أيضا للكتابة في هذه المساحة هو العلاقة القوية ما بين موضوع البرنامج وموضوع (الثقافة الإدارية والإدارة الثقافية) الذي كتبته الأسبوع الماضي في هذا المكان...
(لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم)
كل عمل وكل مشروع وكل منظمة وكل مطلب وهدف لا يمكن أن يتحقق من دون الحد الأدنى من الإدارة.. إلا إن حصل التحقق بالبركة الإلهية وليس بالمهارة البشرية
وهذا من الندرة ومن الرحمة الإلهية بعباده..سبحانه.
ومن باب الإنصاف والحيادية؛ فكل إدارة وكل مدير لم يحقق ما يجب عليه أن يحققه، فهناك ثلاث احتمالات تفسر إخفاقه:
الاحتمال الأول: أنه لا يرغب في تحقيق ما هو مطلوب منه من أهداف ومنجزات!!
الثاني: أنه لا يعرف كيف يحقق ذلك!! وهذه هي الخبرة والمهارات الإدارية التي دائما أشير إليها ونحتاجها على الأقل في الحد الأدنى.
الثالث: أنه لا يقدر.. وهذه هي المعوقات التي تواجه المدير وهي خارجة عن إرادته في الغالب، سواء الداخلية منها أم الخارجية.
بالتأكيد هناك من تنطبق عليه الاحتمالات الثلاثة.. ولله الحمد هم القلة، فيما أظن.
وهناك من ينطبق عليه الاحتمال الأول والثاني. وهم الأكثر
أقرب وصف ينطبق على رؤساء الأندية الأدبية في وضعهم الحالي هو (التطوع)؛ ولا شك أنها خصلة حميدة وشرف عظيم، خصوصا أن هذا التطوع في العلم والثقافة؛ مما يقرر سلفا أن الاحتمال الأول وهو عدم الرغبة يسقط عنهم ولا ينطبق عليهم؛ مما يعني أن الاحتمالين الثاني والثالث من الممكن بل الأكيد أنها أقرب إليهم؛ إذ لا أحد سيتولى مثل هذا المنصب وهو لا يرغب في تقديم شيء أو تحقيق منجز. للمؤسسة التي تولى إدارتها.
فلا هم متفرغون... ولاهم يملكون المعرفة الإدارية الكافية والمبنية على خبرة ودراسة... ولاهم إذا عرفوا قدروا على تحقيق ما يرغبون ويعرفون..
أفنأتي بعد ذلك ونلومهم؟... في الحقيقة نعم..يحق لنا أن نلومهم لسببين:
الأول: أن قبولهم بالرئاسة كان من طوع أنفسهم ولم يكن إجبارا.. لذا عليهم أن يتحملوا التبعات السلبية لقرارهم طبعا.
الثاني: أنهم لم يُمنعوا من تطوير أنفسهم إداريا؛ لم يمنعهم شيء من أن يشتركوا في دورة إدارية أو أن يأخذوا استشارات أو أن يقرؤوا كتبا أو أن يتابعوا المستجدات في النظريات الإدارية والقيادية أو... أو... وإن تعذر عليهم ذلك بحكم كثرة الأعباء الشخصية أو المتعلقة بالنادي؛ فلن يُعذروا في عدم استعانتهم بالخبرات الإدارية من خارج النادي أو من خارج الوزارة؛ ومن قام بذلك ولم يُنجِز فهو يستحق التقدير، ولا يُحرم من اللوم وينطبق عليه الاحتمال الثالث (عدم القدرة)، فإذا تأكد لنا أن الاحتمال الأول وهو (عدم الرغبة) لا ينطبق على رؤساء الأندية الأدبية فإنه (يجب) على وكالة الوزارة للشؤون الثقافية أن تقدم لهم ما ييسر لهم ويعينهم على تجاوز الاحتمال الثاني والثالث؛ خصوصا إذا تسببت الوزارة بالثالث؛ مثل: غياب الإشراف والمتابعة لهم، ومن مثل عدم وضع خطط استراتيجية يمشون عليها؛ ومن مثل عدم تفريغهم مما يحجِّم الوقت اللازم والكافي لهم ليحققوا المطلوب منهم ومن مثل ضعف التمويل المالي والمادي لهم وغير ذلك من الأمثلة التي تُقرِّر أن بعض المعوقات تسببت بها الوزارة وعليها تذليلها.
بهذا التناول المائل للمنطقية والبعيد عن العاطفة وعن المواقف الشخصية يتحقق لنا تشخيص الواقع بدقة ومن ثم اتخاذ الحلول المناسبة للواقع ومتطلبات المستقبل؛ والتي اقترحت بعضها/أهمها الأسبوع الماضي وهي (للتذكير) باختصار:
مراجعة وإعادة النظر في مفهوم الثقافة واعتماد مفهوم الثقافة الشامل، وليس المقصور على الأدب وما يتصل به من فنون. وبذلك تكون الثقافة الإدارية إحدى الثقافات التي يجب على الوزارة تبنيها ونشرها في المجتمع وليس في النخب.
- إعادة النظر في المناهج التعليمية والتركيز على التخصصات الإدارية والقيادية سواء في التعليم العام أو في التعليم العالي.
- تقوم الوزارة بإنشاء لجنة - أو كما اقترح البعض - مجلسا أعلى للثقافة؛ يضم في أعضائه خبراء في الإدارة والقيادة الثقافية تحديدا؛ من مهامها متابعة الجهات الرسمية التي تُعنى بالثقافة وتنضوي تحت لواء الوزارة وتكون المرجع الأول لكل مديريها والعاملين فيها.. ومن مهامه أيضا تهيئة وتطوير المديرين الحاليين من خلال برامج وأنشطة تركز على الجانب الإداري والقيادي تحديدا..
وهنا أزيد شيئا من الحلول القريبة من السطح ولها علاقة بموضوع حلقة المنتدى الثقافي (الإصدارات الشعرية الحديثة) والفوضى والضعف الذي يتسم به المشهد الثقافي (وأسميه ثقافي) مسايرة للمصطلح الشائع الآن؛ ولو شئت لأسميته (المشهد الأدبي)... من تلك الحلول:
1- إنشاء اتحادات أو نقابات خاصة بالنشر والمنتجات المقروءة أو المرئية أو المسموعة
لعلها تقوم بشيء مما يحتاجه الجيل الجديد خاصة؛ وما تقوم به الأندية الأدبية من احتضان ورعاية الإصدارات الحديثة يعد خطوة رائعة في هذا الاتجاه؛ لكنها لا تكفي.
2- التعاون السريع والآني والمستديم مع المعاهد والمراكز والمؤسسات أي (بيوت الخبرة) في الإدارة الثقافية وليس أي إدارة بل الإدارة الثقافية تحديدا.. إذ إن هذا تخصص له أصوله التي تختلف عن التخصصات الإدارية الأخرى.
3- تكليف لجنة تعنى بدراسة التجارب العربية والعالمية المشابهة وتقديم تقرير وافٍ بمجمل المحاسن والمساوئ واستخلاص الحصيلة التي تؤهلنا إلى استيعاب ما وصل إليه العالم من حولنا، ومن ثم الانطلاقة من حيث انتهوا.. وهذا ما يؤهلنا لصناعة المستقبل الثقافي الذي نتمناه.
هنا أتوقف لأقول للدكتور عبدالله الوشمي: هل يحق للشباب المتطلع للإبداع والعطاء أن يعتمد على نفسه في تقييم نفسه والتسويق لنفسه في ظل غياب/ نقص المرجعيات الكفؤة التي من المفترض أن يعوّل عليها؟ وجود الثقافة الإدارية وإدارة للثقافة كفيلة بإذن الله أن تخفف من حالة الفوضى التي نعيشها الآن لأن حسن الإدارة يؤدي بالضرورة إلى حسن التنظيم وحسن التنظيم يؤدي إلى المزيد من الإنجازات والقليل من الأخطاء.
وللحديث بقية نتناولها إن شاء الله على رصيف محطة القطار السابق.
- الرياض
imibrahemm@gmail.com