قمة الغربة..
أن تضع رأسك على وسادتك ودمعة الوحدة تفر من عينيك..
أن تشعر أنك غريب جداً عن هذا العالم كعجوز وجد نفسه في روضة أطفال..
أن تبصر الكون حولك فتجده مملوءاً بأقنعة الكذب.. كون لا يجيد من الأساليب سوى التورية واللغز!!
أن تُنسف فرحتك ويمتلئ فمك بدمعك وصيحات تشردك.
أن تفتح دفاترك العتيقة تبحث فيها عن أبطال ذكرياتك فتجدهم قد هربوا بعيداً على رؤوس أصابعهم بلا ضجيج..
أن تنظر إلى نفسك في المرآة ثم تنفجر ضاحكاً بعبثٍ طفولي وتسأل صورتك: مَنْ أنت؟!
أن تختنق وتغرس كفيك في الرمل وذهول حلمك الراحل يحشو عينيك بالدمع..
أن تعيش الوحدة بكل ما فيها من وحشة كمن يدخل قريته الصغيرة بعد مجزرة فلا يجد فيها سوى انتصاب قامته فقط..
أن تركض بأعماقك المعذبة إلى حيث لا تدري وتطلق صرخة بكائك كتلك التي يطلقها طفل تلتهم النار جسده..
أن تتوه وأنت تبحث عنك فيك فلا تجدك !!
أن تنتفض مذعوراً من نومك تفتح عينيك على حزن لايستوعب ممن هم حولك سواك وتصرخ ماذا حدث؟! وأين أنا؟!..
أن تغرق في دوامة من التعب واليأس وتتساءل لماذا أنا هكذا؟!
أن تغمد رأسك في صدر الفرح فيهديك خنجره..
أن تكبر وتكبر ورغم ذلك تشعر أنك طفل بين الكبار..
أَلا تجد من يفهمك فتتحدث إلى الأشواك والرمل والحصى..
أن ترى بأن عمرك ماهو إلا حلم ممل طويل ومكرر وبلا صوت..
أن تتأرجح بين حلم لا يمكن أن تحيا بدونه وواقع يرفض تقبل حلمك..
أن تهرب من البشر وتلملم أسرارك وأحزانك وتتكور في رحم الموت..
أن يسقط عليك الليل وأنت مغروس على الرصيف وفي كفك ألف دمعة ودمعة..
أن تضحك حد البكاء وتبكي حد الضحك دون أن تدرك مبرر ضحكك أو بكائك..
أن تفوح من صدرك رائحة حزن عتيق فيتجاهلها كل الذين ظننتهم أنت!!
أن تجلس بين أصدقائك فتجدهم قد أعدوا لك وليمة موتك.. تتفاجأ.. تنقبض ملامح وجهك ثم تخطو نحو الباب وتخرج وذهول غفلتك يلتهمك!!
أن تنظر إلى حرف خبأته في صندوق ذكرياتك وتتساءل باستغراب كيف كتبتُ هذا؟! ولمن؟!
أن تسمع صوتاً يستنجدك فتهرع لنجدته وحين تناديه يختفي دون أن يلحظ كلماتك!!
أن تستنشق جروحك في الليل فتكتظ ذاكرتك بوجوه جعلتك لاتخطئ أبداً رائحة الجرح..
أن تجد كل ما حولك صامتاً وجامداً فتنمو السآمة بغزارة في إصيص روحك..
أن يسكنك توق غامض إلى أشياء رحلت.. انكسرت.. ماتت منذ زمن!!
أن يخاصمك النوم فتبعثر أوراقك أملاً في أن تمنحك غفوة اختبأت بين أسطرها..
قمة الغربة أن تحاول حصر أبجديات الغربة فتعجز عن حصرها لا لأنك لم تعشها بل لأنك تشعر بأن غربتك ممتدة إلى مدى لانهاية له!!