من يدير مفتاح التلفاز متنقلاً بين عدد من القنوات الفضائية ومحطات البث التلفزيوني والإذاعي.. فسيرى عجبا. اجتماعات ومؤتمرات تعقد في قصور وردهات فارهة، تجند لها إمكانيات بشرية ومادية تفوق كل تصور وخيال، وتدخل المدن التي تعقد على أرضها في حالة من التأهب والاستعداد.
تلقى في هذه المؤتمرات آلاف الكلمات التي يتبارى أصحابها في قوة البيان وحشد المصطلحات والعبارات المؤثرة. ويقتبسون من أقول الفلاسفة والشعراء ورجال السياسة مما يؤيد أقوالهم.
كما سيرى مدنا صناعية تقذف بحممها وسمومها في الأنهار والمحيطات والبحار.. لتدمر الحياة وتهلك الحرث والنسل، وأمما لا تكاد أن تحرر وتفيق من سباتها، وبياتها التاريخي، حتى تتحول إلى مجتمعات متناحرة متطاحنة تتذابح وتتقاتل على سلطة لم تكتمل مقوماتها ومناصب وهمية لا توجد إلا في أذهان أصحابها. وشعوباً تولي هاربة عن أوطانها علِّها تجد المأوى والمساعدات من الدول والمنظمات الدولية. وتعيش في مجتمعات التشرد والفقر والتعاسة.
إنه لعالم متوحش تزداد فيه المعرفة تقدما وتزداد فيه الأمراض والكوارث والنكبات. تتفكك فيه المجتمعات إلى قبائل وشيع وأحزاب كل منها يحاول أن يتسلق سُدَّة السلطة ظلماً وبطشاً وقتلاً وعدوانا. يزداد فيه الأغنياء غني كما يزداد الفقراء فقراً. هذه المدينة الجامحة، غير الفاضلة جعلت من الإنسان عدوا لنفسه ومجتمعه وأهله، وأسرته. تحولت فيه الماديات إلى مثل وقيم وتحولت القيم والمثل الحقيقية إلى أوهام وخرافات وتراث من الماضي.
استطاع إنسان هذا الكوكب أن يضع يده على مفاتيح التقدم والبناء، وأسلحة الدمار ولكنه فقد الأمن والأمان والطمأنينة والهدوء وحميمية الأسرة ودفء العائلة وتحولت تلك الثورات الصناعية إلى سكاكين تقتل الإنسان، والطبيعة على حد سواء وأخذ يقذف بالسموم في المياه والأنهار علّه يزيد الإنتاج ويحصل على الإيرادات ويسد حاجة الانفجار السكاني الذي حول المساحات الخضراء والغابات إلى مدن أسمنتية صماء.
هذا الكوكب الذي استخلف الله في الإنسان للبناء والإعمار، وليس من كوكب آخر يمكن أن يؤمن للبشرية حياة تشبه حياة هذا الكوكب حتى الآن.. فهل آن للهيمنة والاستبداد أن يعيدا لشعوب هذا الكوكب الدامي شيئا من الروح والعقل إن كان قد بقي شيء من ذلك..
- الرياض
k_alkhonin@Hotmail.com