عَرَفْتُكِ يا بيروت... كنتِ إشارةً
بسَبَّابَةِ الأحلامِ تطفو على غَسَقْ
وكنتِ مساءً يَسْتَشِفُّ طَوِيَّتي
عن الحرفِ.. هل يأوي إلى سَكْرَةِ الوَرَقْ
وكنتِ لدى الغاياتِ روحاً نَدِيَّةً
وثغراً سقاه العشقُ من كَرْمةِ الشَّفَقْ
وعَيناً رَأَتْ فوقَ الدموع مدينةً
وأخرى رَأَتْ عَرشَ الدموع على العَبَقْ
فَمِنْ أينَ يا بيروتُ نَبْتَدِئ الهوى
وقد أَنْجَبَتْكِ العينُ من نُطفَةِ الأَرَقْ
على دفتري راوَغْتُ حُزني وربَّما
أطاحتْ بيَ الآهاتُ مِن سَعْفَةِ القَلَقْ
فجِئتُ على لَغْوِ الخرائطِ غُربَةً
أثيريَّةً تنسابُ مِن آخِرِ الرَّمَقْ
تُنَاجي شرايينَ الجِهاتِ إذا سَرَتْ
وتأتي حِدَاداً حين أدنو من الفَلَقْ
عَرَفْتُكِ يا بيروت حين تَسَاقَطَتْ
على سُمْرَتي الأوجاعُ من حيرة العَلَقْ
***
تَجيئينَ أوراقي إذا غَازَلَ الشَّذى
فراديسَ مَشْدودٍ إلى بَسْمةِ الغَرَقْ
فأقبضُ مِنْكِ الشَّجْوَ صِرْفاً ويَنْثَني
بِكِ الفَيضُ إنْ أفضى إلى الذَّات أو أَبَقْ
فيَصْلبُكِ الميعادُ في رَمَدِ الرؤى
سراباً حَبَا الأشباحَ عينين واندَلَقْ
وتَمضينَ عِرْقاً فوق مُدْيَةِ عاشقٍ
يُمَازِجُ فيها الطُّهْرُ تَهويمَةَ الشَّبَقْ
هوَ البحرُ يا بيروت... كنتِ حَرِيَّةً
بتَغْريبَةٍ مِنْ شَهوةِ البحرِ.. لو نَطَقْ
هوَ البحرُ... نامي بَينَ زَندَيهِ مَرَّةً
على نَيزَكِ الأحلامِ أو رَجفَةِ الفَرَقْ
فما زالَ (ديكُ الجِنِّ) عَرَّابَ ومضَةٍ
يَبُوءُ بها الفانوسُ مِنْ غَيهَبِ النَّزَقْ
هُنا... أومَأَ العَرَّافُ... لَوَّثَ هاجساً
تَوَرَّمَ في ضوء البَصيرةِ فانبَثَقْ
فألهَمَنَا بوح النَّوَارسِ عندما
تَنَاسَلَتِ الأميَالُ في قَطرَةِ العَرَقْ
فقالَ ليَ العرّافُ... قَارَبْتَ جَلْوَةً
تَشَظَّتْ بهَا الأسيافُ في مِئزَرِ الأَلَقْ
***
ستَصحُو بهَا ذكرى (أليسار) لَهفَةً
بسُنبُلَةِ الأَضغَاثِ تَدنُو إلى الحَدَقْ
فبيروتُ جلبابُ الجِرَاحِ.. تَشَبَّثَتْ
بِهِ الرِّيحُ مِنْ فَرْطِ الصَّبابَةِ فانفَتَقْ
و بيروتُ محرَابُ القصيدِ تَمَثّلَتْ
بِهِ النارُ أبياتاً مِنَ الشِّعرِ فاحتَرَقْ
و بيروتُ أفواهُ الدروب.. لِثَامُها
دُخَانٌ.. فَمَا في الكأسِ نَخْبٌ لمُفْتَرَقْ
***
هُنا كانَ ميعادي مع الشِّعرِ... كُلّمَا
تَحَفَّزْتُ أغراني بأنشودةِ الحَبَقْ
فَذَوَّبتُ في الفنجانِ عُمْراً... وحَلَّقَتْ
بيَ الذَّاتُ للقنديلِ... في آخِرِ النَّفَقْ