4- في العنوان:
4-1 مقدمة للتنظير:
تنطلق فكرة دراسة النص الموازي - العنوان من أن هذا النص قد تجاوز اعتباطيته، وارتقى بارتقاء الوعي في مستوياته المختلفة إلى حيث المركزية، حيث يكون مستهدفاً من تفكير المبدعة وتقديرها، وهو - والحال هذه - (يمتلك بنية، ودلالة، لا تنفصل عن خصوصية العمل الأدبي) (الحجمري، عتبات النص، ص 17) فكما أن النص - متنه وبناءه - منتج تفكير المبدعة فإن عنوان النص منتج تفكيرها أيضاً، بل إنه - من وجهة نظرنا - أشد خطورة، لكونه - أولاً - يؤدي وظائف قبلية، تترتب على بعضها انطلاقة النص أو شلله، ومن ثم وجوده أو عدمه، ولكونه - ثانياً - ذا مساحة ضيقة بالنسبة إلى مساحة النص، وهو ما يعني أبعد ممارسات التكثيف وأشدها عنفاً، وما يعني من بعد ذلك النجاح أو الفشل.
4-2 العنوان - مستودع الحكاية:
يدخل القارئ هذه الرواية بحثاً عن إجابات عن الأسئلة التي يطرحها العنوان، وأبرزها: ما الثمن؟ وما الشوكولاته؟
لكنه يتفاجأ وهو يقرأ بالنمو الشامل لكل شيء، الذي خلف اتساعاً حدثياً، وزمنياً، ومكانياً، اتسع معه حجم الشوكولاته، إلى الحد الذي تغير معه لونها، وطعمها، ورائحتها، في حين ظل الثمن هو الثمن.
ركنان في هذا العنوان، أحدهما: ضيق ساكن - الثمن، والآخر: متسع متحرك - الشوكولاته..، فهل ثمة مغزى خلف هذه الثنائية التي لا يعبأ بها القارئ العادي؟
هذا كله سيتضح من خلال تفكيك ركني العنوان اعتماداً على ما احتفظنا به من قراءة الرواية كلها.
تكشف الحكاية عن أن الثمن هو الشرف دفعته (ملاك) مقابل علبة من الشوكولاته أغراها بها رجل سكير، لم تدفع (ملاك) الثمن رغبة، ولم تكن راضية به، لكنها أرغمت على دفعه..، وتستمر الحكاية في سيرورتها ليكتشف القارئ أن (ملاك) بدأت تدفع هذا الثمن برغبتها، وبرضاها، وباقتناعها أيضاً، وأن (الشوكولاته) أضحت مالاً، وذهباً، ومتعة، وسياحة..، ويجد القارئ أيضاً أن قابض الثمن يتجدد في الحكاية في حين ظلت (ملاك) هي التي تدفع دوماً، وإذا كانت (ملاك) قد دفعت شرفها ل(سعد) رغما عنها مقابل حبها ل(الشوكولاته)، ثم دفعته ل(خالد) وغيره رغبة منها مقابل المال والذهب، فإنها - في الأخير - قد دفعته ل(زياد) رغبة منها وبلا مقابل.
إذن عملية البيع والشراء، والعطاء مقابل الأخذ، هي مركز الرواية وبؤرتها، وقراءة أطراف هذه العملية (الرجل - المرأة)، وتعددية أحدهما على حساب واحدية الآخر، وتطور المرأة في اتجاه العطاء والأخذ، يعطي القارئ الرؤية الأصلية للرواية، ويدل على جمالية هذا العنوان، وقدرته على الحضور في منعطفات الحكاية كلها.
4-3 أبرز وظائف العنوان:
ولأن العنوان بدا إشكاليا من خلال العرض السابق فإننا سنتوقف هنا عند جانبه الوظيفي؛ لنتأكد من مدى ارتباطه بتصعيد الرواية إيجاباً أو سلباً، وفق ما جاء في النص، أو فوقه، أو تحته، يؤزنا إلى ذلك حرص الكاتبة على هذا العنوان، وعلى تسمية الرواية به رغم محاولات التغيير التي طرحها الناشر، مما هو دال على وعي معين من قِبل الكاتبة تجاه هذا التركيب خاصة، هذا بالإضافة إلى تكرر وروده في الرواية، على النحو التالي:
- الغلاف الخارجي (ثمن الشوكولاته).
- صفحة خاصة بالعنوان وبصيغة جديدة (ثمن الشوكولاته).
- الغلاف الداخلي.
- وروده في متن الرواية بصيغتين مختلفتين: (الشوكولاته)، و(الشوكولا) ص 26 -27، وهو ما تركز عليه الكاتبة حتى في رسائلها الخاصة التي اطلعنا عليها، من مثل: (مثول الشوكولاته بين يديك)، و(ستصلك الشوكولاته غداً أو بعد غدٍ)...
وكل ذلك مدعاة إلى مساءلة العنوان والبحث في فنياته، وسنتوقف هنا - طلباً للإيجاز - عند وظيفتين، نحسبهما من أهم الوظائف التي يعطيها العنوان حين يكون راقياً.
4-3-1 الوظيفة الجمالية:
تتراءى أبرز الوظائف الجمالية لهذا العنوان من خلال غيابية مدلوله، فالقارئ في حيرة من أمر (الشوكولاته) المستلقية على الغلاف، هل هي ذات مدلول حقيقي؟ أم أنها ذات مدلول مجازي؟ ومن بعد مدلول (الشوكولاته) وتحديده يبقى السؤال مضاءً في زاوية (الثمن)؟ وإشكالية الإجابة عن هذا التساؤل أنها لا تنكشف إلا في المتن، وفي آخرة ربعه الأول تحديداً، أي بعد البداية الحقيقية بقراءة النص، وهذا يعني أن العنوان احتوى بجمالية مدلوله الغائب القارئ، ودفعه رغماً إلى مراودة النص ومطارحة أشيائه، وميزة (الشوكولاته) في النص أنها أخذت صفة النمو - كما أسلفنا-، فهي ابتدأت (شوكولاته) دالاً ومدلولاً كما في ص 26 مثلاً، لكنها لم تتوقف عند هذا الحد بل أخذت تنمو في النص عبر الأحداث دون أن ترد دالاً أو مدلولاً، ف(الشوكولاته) التي دفعت (ملاك) شرفها ثمناً لها - في السابعة من عمرها - اتسعت - عبر أحداث الرواية - لتكون مالاً، وذهباً، وشهرة، ومتعة، وكما أن (الشوكولاته) أخذت تنمو داخل النص، فإن الأحداث كلها تبدأ (شوكولاته) ثم تنمو وتتكاثر حتى تنجب أحداثاً وحكايا...
وإذ تحول معها الاغتصاب إلى رغبة، و(الشوكولاته) إلى مالٍ وفير وذهب، فإن الثمن ظل هو الثمن، وهذا - ولا ريب - يؤسس لجمالية العنوان، أو الجمالية فيه على الأقل.
إيحائية هذا العنوان قامت ببلبلة الأفكار كما يقول (إيكو) (الهميسي، براعة الاستهلال، ص45)، فهو لا يكشف عن المعنى كما نجد في (أحببت ولم أر حبيبي)، و(لكيلا يضيع الحجاب) مثلاً، وإنما يخفيه، ويهيئ ذهنية القارئ؛ لتوليد هذا المعنى وتوليده أثناء القراءة، وربما أثناء القراءة الثانية، والثالثة أيضاً، هذا بالإضافة إلى أنه حاضر في انعطافات الرواية كلها - كما أسلفنا-، دالٌّ على محمولاتها.
4-3-2 الوظيفة الإشهارية:
يعرض كل من (إدريس الناقوري) و(عبدالفتاح الحجمري) للوظيفة الإشهارية ويردانها إلى مدلول (الشهرة)، حيث يكون النص ذا عنوان يميزه من غيره، ويشهره دون غيره، ويكون بذلك ظالاً في ذهنية قارئه، وهو ما نتلقاه من (ثمن الشوكولاته)؛ فهو قد تجاوز العطايا التقليدية: (الزمان)، و(المكان)، و(الشخصية)، و(الرؤية)، وأيضاً التراكيب الوصفية والإضافية المكرورة في الخطاب الأدبي عامة، والعتباتي منه على وجه خاص، وأسس لنفسه مكاناً مشرفاً على الأمكنة المتناثرة في الوادي، فما من قارئ أو سامع لهذا العنوان إلا ويظل محتفظاً به، أو بتركيب يقاربه دون أن يتقاطع مع غيره، وهو ما لا نجده في كثير من الأبنية العنوانية في رواية المرأة السعودية تحديداً، فأكثرها مرتبط بحالة نفسية مشتركة من مثل: قطرات من الدموع، وذكريات دامعة، وباسمة بين الدموع، وبسمة من بحيرات الدموع، وودعت آمالي، وعفوا يا آدم، وآدم يا سيدي، وسيدي وحدانة.. إلخ، فجميع هذه العناوين تضيع في بعضها البعض، لكننا لو أدرجنا (ثمن الشوكولاته) ليس ضمن هذه القائمة، ولا ضمن قائمة الرواية السعودية فحسب، ولكن ضمن الخريطة الروائية لعالمنا العربي لظل محتفظاً بخصوصيته، لا يدل إلا عليه، ولا يختلط إلا بنفسه.
- الرياض
alrafai16@hotmail.com