كما ورد في نهاية رسالة تعزية المثقفين السوريين لغسان وقت اغتيال جبران: (سيأتي بعدنا آخرون، دائماً سيأتي آخرون، ليس لنهرك، نهر الحرية أن يجف) جاء آخرون كثر كثر، وهذه المرة ليس لتعزيته أو مؤازرته، بل للاحتفاء بحضوره ولتقديم شهاداتهم على روعة هذا الحضور. رؤساء ووزراء وسياسيون كبار، ورجال دين موقرون، ورجال فكر أدب عالميون، وصحافيون عرب من لبنان كما من مصر والسعودية والكويت وسوريا والعراق وفلسطين وتونس و... وموريتانيا، وكذلك عرب الشتات والمنافي بأنواعهم، اجتمعوا كما لا يفعلوا أبداً من قبل، اجتمعوا رغم خلافاتهم معه وخلافاتهم فيما بينهم للاعتراف بقدر الرجل ومكانته، وأكثر من كل شيء بأمثولته الفريدة من أية زاوية نظرت إليها، أمثولته كصحافي كببر وكسياسي تاريخي وكزوج وكأب! لا صحيفة كالنهار في نضارتها وشجاعتها. ولا مسيرة كمسيرة غسان السياسية ودبلوماسية في كفاحها ووطنيتها، وكمسيرته الشخصية في غناها وعمقها. الرجل الذي ارتبط اسمه بشاعرة يرق لها الموت نفسه وابن تنحني له تماثيل الشهداء ولو من حديد أو حجر.
بالنسبة لي، أنا القانط من كل شيء، الفاقد لكل أمل في وطني الصغير والكبير، وربما أيضاً في العالم، بالنسبة لي وأنا المشارك بهذا الاحتفاء، رغم أني لست واحداً من هذه الكوكبة، أولاً، بذكر اسمي ككاتب تلك الرسالة، وثانياً، كقارئ عربي للملف، وهي المشاركة المتاحة للجميع، وأظنها لا تقل أهمية عن الكتابة به، لأنه بدونها يفقد كل هذا الجهد معناه وغايته، فإن هذا الاحتفاء الاستثنائي، بهذا الإنسان الاستثنائي، الذي يحيا بيننا بهذه الروح وهذه الإرادة وهذا الجمال، يكاد يجعلني أصدق أن كل شيء ما زال على حاله، وأنه ما زال في قلوبنا ما لا نستطيع الحياة بدونه، فالأمل لا يمكن أن يموت، وهناك دائماً إن مرض من يسهر بجانبه يداويه ويطعمه بيده، ونهر الحرية لا يجف، أبداً أن يجف!