فهد ردة الحارثي.. هكذا.. وتتوالى مشاهد منجز (مرحلة) لن يتجاوزها تاريخ المسرح السعودي.. دون أن يقف لها احتراماً وأمامها بحثاً طويلاً.. وأنت تحاور (المسرحوي) فهد الحارثي.. فأنت بحاجة إلى أدوات بحثية منهجية تقرأ الظاهرة.. وتطرح الافتراض.. وتحلل النتيجة .. لسبب بسيط.. وهو أن فهد رده الحارثي.. وعي مسرحي منهجي يتخلّق بدأب رصين ليشكل ملامح (مشروع)..
في هذا اللقاء .. لم يقل فهد الحارثي كل ما لديه.. رغم الاستثارة المهنية.. التي اشتمّ - خطأ - في جزء منها رائحة سخرية.. والاعتذار أقدمه على أي حال بين يدي تلاميذه ومحبيه المسرحيين.. فهو لنشئ مسرحي عريض.. رمز.. مثلما انه واجه مهمة لمسرح الوطن..
(الثقافية).. تعتز بهذا الحوار القيّم.. وتتمنى حضور (المسرحوي) الحارثي المشرّف.. على صفحاتها بأشكال صحفية متنوعة.. وإلى الحوار....
الثقافية - حوار - سعيد الدحية الزهراني
* البداية من مهرجان المسرح السعودي الرابع.. ونحن لا نزال نعيش فرحة النجاح كما وُصف وكما رأيناه إن جاز لنا مدح ذواتنا السؤال: كيف يقرأ فهد الحارثي (المهموم بالمسرح) هذا المهرجان.. هل فعلاً نجحنا أم أننا نعيش فرحة الفقراء ب/كسرة خبر..؟ وماذا عن ما صاحبه من معاكسات واعتراضات..؟
- نعم ياصديقي لازلنا نعيش هذه الفرحة وسنظل مسكونين بها حتى يحين موعد المهرجان القادم الذي كنا نتمنى أن يكون كل عام، ولكن معالي الوزير فرض علينا أمراً واقعا عندما تحدث عن عامين بدلا من عام كما هو معمول به في كل المهرجانات المسرحية المحلية في كل العالم، لكن لا ضير المهم أن يكون لدينا مهرجان محلى وطني نحتفي به ويحتفي بنا، ولابد أن نشيد بنجاح المهرجان المسرحي الرابع على كل المستويات وقد قلت هذا الكلام سابقاً وتحديت عليه لخبرتي في المهرجانات المسرحية المحلية والعربية والدولية وحضوري كضيف أو مشارك أو محاضر بها، وكنت أعرف تماماً قدرة الشباب السعودي على التنظيم وقدرة المشاركين على تقديم عروض فنية ذات قيمة فنية، ومن حسن الحظ أن أقيم مهرجان المسرح الكويتي في دورته العاشرة بعد مهرجاننا بأسبوع واحد وتم دعوتنا له للحضور والمشاركة في الندوات الفكرية وهناك تحقق ما قلته فقد أشاد معظم الحضور العرب بتميز مهرجان المسرح السعودي على كل المستويات مقارنة بمهرجان المسرح الكويتي، ولازلت أعتقد أن مهرجان المسرح السعودي لو قدر له الاستمرار والتنامي ودعم بشكل صحيح سيكون من أفضل المهرجانات لسبب بسيط أني أعرف تماماً قدرة المسرحي السعودي الذي ناضل وحفر في الصخر ليثبت حضوره المسرحي عربياً وهو بالتالي لديه القدرة على تقديم نفسه محليا، أما ما صاحبه من اعتراضات ومشاكسات فهي في تصوري من مكملات العمل الناجح الذي يحتاج إلى ذلك ليقدم نفسه ككائن حي قادر على التفاعل والتعامل مع كل الآراء والنقاشات والتداخلات السلبية والإيجابية وكسرة الخبز تسعد الفقير دون شك لكنه إذا شبع عاد ليبحث عما يفوقها.
* فهد رده الحارثي.. اسم مسرحي ممتد.. وله حضوره القوي محلياً وعربياً.. لماذا اقترن اسمه بالصدامية وتطبيق مبدأ (إن لم تكن معي فأنت ضدي) هل هي ثقة مفرطة في الذات (غرور/ تورم) أم أنها طقوس فرض الوجود؟
- صداميتي كانت نتاج لعملي المتواصل بالمسرح طيلة عشرين عاماً، وعدم قبولي تقديم التنازلات من أجل كسب العلاقات والابتسامات والمجاملات المزيفة حاولت دوماً أن أكون ذلك الصادق مع نفسه ومع مشروعه المسرحي وكان لدي قناعة أن الحق ينتزع ويحتاج للبحث والصلابة واليقين بما تعمل ولست من أنصار مقولة إذا لم تكن معي فأنت ضدي بل إني أعمل بعكسها إذا لم تخالفني وتناقشني فأنت تخدعني عندي إيمان كامل بأن من حقي أن أقول وجهه نظري ومن حقك تماماً أن تختلف معي قد نتناقش طويلاً قد نصل إلى قواسم مشتركة قد اقتنع برأيك وقد تقتنع برأيي قد لا نصل أبداً ولكننا نحترم بعضنا ونحترم اختلافنا، ولكني لن أقبل أبداً بتهميشي من أجل أن يفرض علي رأي أنا غير مقتنع به من أجل ألا يقال عني أني شخص غير صدامي ليكن لمن قال إني صدامي ذلك ولكن كل من يعرفني عن قرب يعرف أني مقاتل جيد من أجل مسرح جيد0
* الحداثة.. نعلم جميعاً أن الوعي الحداثي صاحب مختلف الأجناس الأدبية والثقافية لدينا.. ما هو نصيب (أبو الفنون/ المسرح) من حركة الحداثة أو الوعي الحداثي.. وماذا عن مسألة الحداثة بصفة عامة لدينا؟
- دعنا نبدأ بالشق الأخير من السؤال لأني لاأدعي أني حداثي ولا اهتم أبداً لهذا التصنيف فالمسرح علمنا شيئاَ هاماً بأن نهتم بكل المدارس المسرحية كعلم وفن وأن نأخذ منها ما يناسبنا كفن وأن نناقش ما يخالفنا كفكر ونطوعه وفقاً لما نريد لا لما يراد والحداثة وغيرها من المتغيرات التي تطرأ يومياً في زمننا تحتاج لتفاعل معها ومسرحنا بصفة عامة كان منغلقا على نفسه لسنوات وكان مؤطراً في قالب واحد ثم جاءت تجربة ورشة العمل المسرحي بالطائف المتواصلة مع مشروعها لكي تغير في شكله ومضمونه وتجعله أكثر تفاعلاً مع المشهدية المسرحية عالمياً ومع التطورات المسرحية المستمرة في مسرح الحداثة وما بعد الحداثة ومسرح الصورة وصورة المسرح ومسرح التراث وتراث المسرح، والمسرحي الحقيقي هو من يستفيد من كل ما حوله وينسج في عمله المسرحي كل ما يعتقد بفائدته لعمله ولمشروعه شريطة استيعاب وفهم وإدارك ما يقوم به وليس مجرد ركض وراء موجة لم يفهم أبعادها ولم يدرك خصائصها ولم يكون لها فلسفته الخاصة بها ولها وعنها وهي القضية الأهم في تصوري لأن البعض أصبح يعشق ركوب الموجه دون فهم حقيقي لطبيعتها سواء من خلال تقليد أعمال ورشة العمل المسرحي بالطائف ذات الدور الطليعي في مسرحنا أو من خلال إعجابه بصورة بصرية مشاهدة في مهرجان مسرحي فيعمد إلى قاعدة القص واللصق كي يقدم لنا نفسه دون وعي أو إدراك بمنهجية ما يعمل فيأتي عمله مشوهاً وغير حقيقي ومزيف ولو نوقش فيه لم يجد ما يجيب به عن فلسفته لاستخداماته الفنية على خشبة المسرح مهم جداً أن يكون لدي المسرحي ذلك الوعي الفكري والثقافي والبصري حتى يستطيع أن يقدم لنا عمله ويكون قادراً على فلسفة هذا العمل حتى لو كان تقليداً فكل ما في المسرح لابد أن يكون مدروساً وممنهجاً له قاعدة يسير عليها.
* من غيّب المسرح السعودي في نظرك.. الثقافة الاجتماعية العامة لدينا (ثقافة أو ذهنية التحريم) أم الجانب الرسمي المتمثل في جهات وقطاعات الدولة ؟
- أتصور أن الدور الأكبر لم يكن لثقافة دينية أو اجتماعية بقدر ما كان للجانب الرسمي الدور الأكبر في هذا الغياب لأنه أهمل عن قصد أو دون قصد مشاريع البنى التحتية التي يقوم عليها المسرح من مراكز ثقافية أو معاهد مسرحية لم يمنع أو يحرم أحد ذلك، لكن الإهمال وقع من الجانب الرسمي وحوله لواقع اجتماعي، كيف يمكن أن تفهم أن يقام عرض مسرحي يقبل عليه الجمهور بالمئات وفقاً لسعة المسرح ثم يقال إن هنالك ثقافة تحريم أو موقفاً اجتماعياً أو خلافه، لكن المشكلة التي لا تزال قائمة أنه ليس لديك مسرح تعرض عليه أعمالك طوال العام أنت كمسرحي كل يوم في مكان والناس غير مدفوعة للركض خلفك والبحث عن أماكن عروضك ومشكلتنا المضحكة أن المسارح لدينا تبنى لجهات لا تهتم بالمسرح ولذلك هي تكلف الدولة الكثير من الأموال ولكن لا يستفاد منها لأنها تتحول بفعل الزمن والجهل لقاعات محاضرات أو حفلات دون أن يكون للمسرح نصيب منها، ولو قدر للمسرح أن يستفيد من هذه القاعات لشهد المسرح لدينا نبوغاً كبيراً، لأن المسرحي لدينا ليس له مكانه الذي يعمل به ويجري عليه تجاربه وأبحاثه وبروفاته وهو يلعب في مساحات متخيلة ثم عندما يحين موعد عرضه يظل في حالة بحث عمن يسمح له باستغلال المسرح لتقديم عرضه ليوم يومين ثلاثة، ثم يطرد بعد ذلك ليتوقف عمله، هل هنالك عربيا من يملك مثل هذه المعاناة ثم ينتج إبداعا خلاقاً، إني لا أزال أمل من وزارة الثقافة والإعلام أن تتبنى مشروعاً وطنياً لبناء المراكز الثقافية في كل مدن المملكة التي نبي بها يومياً المدارس والحدائق والطرق والمستشفيات ولكننا لا نبني بها مراكز ثقافية.
* يقول عنك الكاتب الأستاذ محمد السحيمي.. ذات كتابة إنترنتية.. فهد رده الحارثي هذا الرجل الذي أخذ الشوك كله وترك لنا الورد.. السؤال: عن أي شوك يتحدث الأخ السحيمي ذاك الذي اشتكته.. وأي ورد هذا الذي تنعّم به.. هل لدينا مسرح أصلاً..؟
- دعنا من حكاية الشوك والورد.. فكل الورد له شوك وكل الشوك له ورد، لكن ما يجرح هنا ليس شوك الورد وليس ورد الشوك ولكنه ذات الشوك الذي طرحته في سؤالك هل لدينا مسرح؟ نعم يا سيدي لدينا مسرح ومسرح متفاعل وفاعل، نعم ينقصه الكثير ولديه الكثير من المشكلات لكنه موجود ومثابر ومكافح ولديه الكثير من العروض التي تقدم والمهرجانات الداخلية مثل مهرجان المسرح بالجنادرية الذي تجاوز عمرة ستة عشر عاماً ومهرجان المسرح السعودي الذي احتفلنا بعودته منذ شهور ومهرجان أبها المسرحي الذي نتمنى عودته ومهرجان الباحة والطائف ومكة التي أقيمت لدوره واحدة وكذلك عشرات المهرجانات العربية التي شاركت بها العروض السعودية المسرحية في مسرح الشباب ومسرح المحترفين ومسرح الجامعات وحققت جوائز هامة، ثم بعد ذلك نطرح السؤال كشوكة هل هناك مسرح ؟ نعم هنالك مسرح لمجموعات حفرت في الصخر وفي الماء وفي الهواء من أجل ألا يغيب هذا المسرح وأن يظل اسمه وفعله موجودين حتى تتوفر له الأرضية التي ينطلق منها، ليصبح واحد من أهم المسارح العربية، لأننا دون شيء حققنا الحضور والجوائز فما بالك لو توفر لنا هذا الشيء المفقود ماذا يمكن لنا أن نقدم؟
* يحفل سجلك الشخصي مسرحياً بالعديد من الجوائز المسرحية محلياً وعربياً.. حدثنا عن هذا الجانب.. وإلى ماذا تأخذك الجوائز المسرحية العربية؟ وماذا عن الجانب النقدي مسرحياً لديك وكذلك التأليفي؟
- ما تحقق لي حتى الآن هو بذرة جعلتها مشروعي وأضعت من أجلها الكثير وأخلصت لها فنمت وقدمت لي ما قدمته لها، وهذا الاعتراف العربي بي كمسرحي سعودي وتكريمي في أكثر من مهرجان ودعوتي لإدارة ورش حول الكتابة المسرحية أو حول الندوات الفكرية المسرحية عربياً كان نتاج جهد سنوات طويلة أخلصت فيها لتجربتي واهتممت بقيمة مايقدم وقد توفر لي بكل صدق ما لم يتوفر لغيري عبر ورشة مسرحية كنت من المؤسسين لها وشاركني كفاحي من أجلها رجال مسرح حقيقيون صادقون لديهم هم مسرحي ومنهم أصدقائي ورفقاء دربي أحمد الأحمري عبدالعزيز عسيري وسامي الزهراني ومساعد الزهراني ومحمد بكر ومشعل الثبيتي وجمعان الذويبي وغيرهم ممن جاء قبلهم وبعدهم أنا أدين بالفضل لهم في دعم مسيرتي وفي إعادة تكويني المسرحي وتنامي هذا التكوين عبر سنوات عمل طويلة وشاقة وممتعة كنت محظوظاً بأني حصلت على ثمرتها في حياتي وليس بعد مماتي.
- وفي الجانب النقدي لا أرى نفسي ناقداً ولا أحب القيام بهذا الدور لأن له مبدعيه الذين لا يقلون أهمية عن دور المبدع المسرحي ولهم دورهم الذي يقومون به من أجل تكامل العمل الفني أما كتابة النص المسرحي فهو عالمي الحقيقي الذي انتمي له وينتمي لي وأشعر به ويشعر بي وهو كياني الذي أعمل به إنه تفاصيلي التي تعيش بي وأعيش بها.
* ماذا عن المشهد الثقافي لدينا في نظر المسرحي فهد رده.. كيف تراه.. وكيف ترى الصحافة الثقافية بشكل عام.. وبصورة خاصة فيما يتعلق بالجانب المسرحي؟
- هو مشهد متلون متذبذب متعكر متقلب، إنه ذلك الذي لا يؤمن فكره ولا تفكيره فيما عدا القلة، المثقف لدينا كائن سلبي كثير الكلام قليل الفعل ليس له مشروع يعمل به ولذلك كان مشهدنا انعكاسا ًلوضعنا البائس في تصوري والصحافة الفنية والثقافية هي انعكاس أيضاً لهذا الواقع أما المسرح فهو لازال يبحث عن نفسه ومن الصعب أن نطالب باهتمام به في ظل إهمال الجهات الراعية له، لكن من المؤلم أن المثقفين لدينا لديهم أحكام مسبقة بكل شيء ومن ضمنها المسرح الذي يغيبون عنه ثم يحكمون عليه غيابياً بصورة مخجلة الصحافة الفنية والثقافية تنتظر أن يأتي العرض المسرحي لها في مكاتبها لكي تعترف به، والمسرح لا يأتي ليطرق أبواب المنازل والمكاتب إنه بحاجة لمن يأتي إليه في مكانه الذي يقدم به والمكان الذي تقدم به متغير متبدل، نحن أمام دائرة تبدأ من حيث تنتهي وتنتهي من حيث تبدأ، ولن يحلها إلا وجود المكان الثابت، ولن يكون هنالك مكان ثابت إلا بوجود المراكز الثقافية والمسارح.
* فهد رده الحارثي.. صحفي ثم شاعر أو العكس.. فمسرحي.. (ما بقى إلا الرواية) ؟
- لسؤالك رائحة السخرية وأنا لا أريد أن أجعل من نفسي صدامياً مع سؤالك لكني للتوضيح أقول لك إن في داخل كل مسرحي حقيقي شاعراً وقاصاً وروائياً وموسيقياً وفناناً تشكيلياً إنها عدته ومعينه للعمل دونها يصبح مجوفاً يصدر أصواتاً غير منتظمة، بالنسبة لي ساهم الصحفي في تكويني الثقافي المسرحي وساهم الشاعر في جمالية الحوار الشعري داخل أعمالي وساهم كاتب القصة في تنظيم أفكاري وساهم الفنان التشكيلي في وضوح الصورة البصرية لقد ارتضيت أن يختفي الشاعر والقاص والصحفي من أجل ظهور المسرحي ولا أعتقد أن الروائي سيظهر في ظل وجود المسرحي ورغم أني أعمل على مشروع روائي إلا أني شبه متأكد انه لن يظهر حتى يختفي المسرحي من حياتي عندها قد تظهر الكائنات الأخرى التي اختفت في ظل المسرحي وظلت تساهم في دعم المسرحي ودعم عمله وتكوينه.
* البعد الجمالي في تنشئة وتهذيب الوعي العام.. هل يرى فهد الحارثي أن تغييب هذا البعد أسهم كثيراً في ويلاتنا المجتمعية من عنف وإرهاب وتكفير.. في مقابل تكرس ثقافة التكفير والإقصاء والقبوريات.. بمعنى لو أننا جذّرنا قيم الجمال - المسرح أحدها - لدى الناس هل سنشاهد هذا المد المخيف من التكفير والتفجير؟
- الموضوع في تصوري عبارة عن مناخ عام سائد جسدته خيبات كثيرة منى بها المواطن العربي من المشرق للمغرب وأظهرت وفق قراءات للواقع الاجتماعي ظهور تيارات كثيرة ومتداخلة ج علت من هذا العربي مسخ لكثير من الأفكار المتداخلة منذ الشيوعية والأفكار القومية والحركات العسكرية ثم الأصولية والعلمانية وتيارات أقصى اليسار وأقصى اليمين وهي ليست مناخ محلى بالتأكيد وبالتالي القياس عليها بهذا المنطق هو تبسيط شديد للمشكلة التي في تصوري بحاجة للعلاج من جذورها ومن التربة التي نمت به كل هذه الظواهر وفي اعتقادي أننا دوماً نفتقد للمشروع ولو كان هنالك مشاريع حقيقية لغابت كل هذه التمظهرات التي كنا ولازلنا نعاني منها ونتركها للحراك الاجتماعي يتصرف بها جهة اليمين واليسار دون الوصول للوسطية التي نتمنى أن تكون مفرداتنا التي نتعامل معها.
* من هو محمد العثيم في نظر فهد الحارثي.. وكم عمر الخلاف بينكما (حتى ولو ضمنياً).. ولماذا؟
- محمد العثيم كاتب مسرحي كبير وله ثقله على المستوى المحلى وعمر خلافي معه هو عمر معرفتي به نحن نتفق لنختلف ونختلف لنتفق نتداخل بصخب ونتحاور بعنف ونتجادل بصوت مسموع نحن على تمام الاختلاف وعلى تمام الاتفاق، محمد العثيم لا يتفق مع مشروع الورشة المسرحية بالطائف ويعتبرها ورشة مغلقة ونحن نعتبرها ورشة منتجة ونفخر بمشروعنا الذي عملنا عليه طيلة سبعة عشر عاماً لم نتوفق فيه عن العمل والإنتاج والعطاء وتقديم العروض للكبار والأطفال وعروض المونودراما والورش والدورات وقدمنا عروضنا في عدد كبير من مدن المملكة وعروض في عشرين مدينة عربية وشاركنا في خمسين مهرجانا محلياً وعربياً وحققنا أربعين جائزة مسرحية ولازلنا نعمل ونعمل دون توقف، كون ذلك لم يتناسب مع فكر صديقي العثيم فذلك رأي نحترمه كثيراً ولكن لدينا فكرنا الذي نعمل به وفي اعتقادي أن محمد العثيم قد صادر الكاتب المبدع في داخله على حساب مشروع ميت، لذلك أتمنى منه أن يعود للمبدع الكاتب في داخله ويترك فكرة الورشة المسرحية لأنها تحتاج لمقومات غير متوفرة في الرياض كمدينة وفي الكوادر العاملة كفكر وذلك رأي شخصي قد يقبله وله الحق في رفضه كما قلت لك نحن على تمام اختلاف الاتفاق.
* ماذا عن جمعية الثقافة والفنون.. هل خدمت المسرح أم أنها عجّلت تكفينه ودفنه؟؟ وما الذي ينتظره المسرحيون منها بعد مدة تجاوزت ثلاثة عقود على إنشائها؟
- سنكون من الظالمين لأنفسنا إذا قلنا أنها لم تقدم للمسرح شيئاً جمعية الثقافة والفنون وفروعها قدمت الكثير للمسرح ولك أن تحصي مئات العروض التي قدمتها الجمعية وفروعها، ما كنا نلوم الجمعية فيه أنها لم تسع لتقديم المشروع ولم تبن مبنى لهذا المسرح طيلة هذا الزمن، من كان قريباً من الجمعية أو متابعاً لأنشطتها المسرحية يعرف أن الجمعية قدمت نشاطا حافلاَ ولم تقدم مشروعاً يبنى عليه المسرح ولكنها وللحقيقة حافظت على بقاء المسرح عاملاً ومنتجاً مهما اختلفنا معها وفي تصوري أنها يجب أن تستمر في دعم المسرح فهي الجهة الوحيدة القادرة على ذلك وهي تماثل جهة شبة محترفة وكان وجودها مهماً ليكون المسرح موجوداَ خلال الفترة الماضية من عمر الجمعية وأعتقد أنه من غير المهم ألا نبكي الآن على اللبن المسكوب فمن المهم أن نبحث عن مشروع الجمعية القادم التي أتصور أن عليها الآن أن تتخلص من تبعات الماضي وتفكر في الحالي والمستقبل وتبحث عن المشروع الفني وليس مجرد النشاط الذي كان في المرحلة السابقة وعليها أن تتبنى المشروع لأنه المهم في هذه الفترة فمجرد النشاط كان عنوان المرحلة السابقة وعنوان المرحلة الحالية لابد أن يتغير ولعل أهم نقاط هذا التغيير هو إعادة تشكيل مجلس الإدارة الذي لم يقم بآي دور منذ إعادة تشكيله وأتمنى أن يكون مجلس الإدارة القادم مكوناً من مديري الفروع المتميزين ومن بعض الفاعلين الذين من الممكن أن يعيدوا تشكيل الأمور.
* ماذا عن جمعية المسرحيين.. هل ترى أنها ستقدم ما يستحق عناء التطلع.. أم أنها مجرد جمعية منبثقة عن جمعية (ثقافة الانبثاقات) ولماذا لم تطرح نفسك للترشيح.. هناك من يقول أن فهد رده متخصص في النقد لا أن يكون موضع للانتقاد.
- سؤالك متداخل تماماً وهو يقفز من منطقة إلى أخرى فدعني أمارس معك فعل القفز بالنسبة لجمعية المسرحيين هي تجربة وليدة وتحتاج أن تأخذ فرصتها لكي نحكم عليها سلباً وإيجاباَ فدع الوقت يا صديقي يحكم عليها وعلى تجربتها وفيما يخص عدم ترشيحي فلدي سببين هامين الأول أني شخص حاد تماماً لا أحب الميوعة في التعامل والفترة الحالية تحتاج إلى نوعية أخرى قادرة على التعامل مع ظروف مرحلة التأسيس ثم سببي الثاني الأكثر وجاهة أني مللت العمل الإداري وأحببت أن أتفرغ للفنان والكاتب في داخلي وأعطي له المساحة الكبيرة للعمل وتقديم ما يمكن أن يضيع بسبب الإداري الذي يستهلكه العمل الإداري عن إبداعه أما بخصوص نقطتك الأخيرة حول النقد فقد قلت لك أني لست ناقد أنا قارئ جيد للأشياء لكني لست ناقداً ولا يكره النقد إلا من لا يثق في عمله وأنا أثق في عملي ولا أخشى النقد بل إني أحترمه كثيراً لكن النقد لدينا متلبس فمن يمارس الانتقاد يدعي أنه ناقد ومن يحب الظهور دون منهج يقول إنه ناقد وأنا عندما أتصدي لهذا الزيف أمارس حقيقتي ولا يهمني بعدها ما يقال عني.
* ما هي العلاقة مابين المسرح وبقية الأجناس الأدبية الأخرى.. وكيف يرى فهد الحارثي علاقة الأدباء تحديداً بالمسرح والمسرحيين (يبدو لي أن الأدباء يُجلون المسرح والمسرحيين كثيراً بدليل تواجدهم دائماً بكثافة في العروض المسرحية) ؟
- العلاقة وثيقة جداً ولم يكن المسرح يستحق لقب أب لولا قدرته على احتضان كل الآداب والفنون إنه المسرح ولاشيء غير المسرح بإمكانه أن يكون حاضناً لكل هذه الفنون بل إنه اثبت قدرته على استيعاب كل المتغيرات التكنولوجية وهضمها والعمل فيها ومعها وبها، والمسرح مفتوح بوجود الأدباء أو عدم وجودهم ولن يؤثر غيابهم عن المسرح عليه بقدر ما يؤثر غيابهم عن المسرح عليهم.
* المسرح النخبوي.. والمسرح التجاري.. أيها يصل ويؤثر وهنا المعيار الحقيقي لأي عمل
- هنالك مسرح ولا مسرح فقط ذلك هو المعيار، لا يوجد مسرح تجاري يوجد مسرح قطاع عام وقطاع خاص وفرق مسرحية تابعة للدولة وفرق مسرحية خاصة ليس هنالك مسرح تجاري هنالك فرق مسرحية خاصة تضع منتجها في شكل استهلاكي هدفه كسب الجمهور لذلك تأتي عروضها فاقدة للشرط المسرحي محققة للهدف الاستهلاكي الربحي الذي تسعى إليه من أجل الوصول لجيب المتفرج وليس لعقله ووجدانه، وتوليفة العمل لديها لا تخرج عن قاعدة تشمل كل التوابل التي تضحك الجمهور فقط دون النظر لآي قيمة أخرى وهنالك فرق في التفكير بين ما يقدم في الغرب مثلاً وما يقدم في عالمنا العربي في هذه النمطية فهم يقدمون مسرحاً ونحن نقدم مسخاً ولذلك تجد عروض الفرق الخاصة في المغرب العربي وهي المتأثرة بالمسرح الأوربي عروضا تتدفق بالفرجة المسرحية بينما تتحول في المشرق العربي إلى عروض سخرية بالشكل واللون والعرق والنكت الجنسية المبتذلة وأنت تحترم دون شك عقلية من يعمل وقد وضع في ذهنه تقديم المسرح بشرطه الفني مهما كان شكله أو أسلوبه ودعنا نضع تجربة المسرح المصري والمسرح الكويتي التي كانت مزدهرة في الستينات والسبعينات ثم دمرتها العروض الاستهلاكية بينما بقي المسرح العراقي والمسرح التونسي يقدمان فناً راقياً وجماهيرياً في نفس الوقت، ولدينا أيضاً الخلط في مفهوم النخبوي والتجريبي حتى على مستوى العالم العربي هناك من يقول على المسرح الغير تقليدي تجريبي ويغفل أن التجريب ليس له مدرسة وأنه متى ما قنن لم يعد تجريباً وأن التجريب تقنية في جزئية من العمل وليست منهجاً متكاملاً وأن هنالك عشرات المدارس المسرحية التي لا تعطي شكلاً تجريبياً ومن الظلم أن نلصق بها التجريب أو نلصق التجريب بها.
* ثلاثة أسماء مسرحية سعودية لا يتجاوزها فهد الحارثي دون تقدير مهيب.. ما هي أو من هم..؟
- ثلاثة أسماء قليلة جداً وأنت تضيق واسعاً هنالك الكثير من الأسماء التي تستحق الاحترام والوقوف تقديراً لها على ماقدمته هنالك عبدالرحمن المريخي وأحمد الأحمري وعبدالعزيز عسيري وسامي الزهراني ومساعد الزهراني وعلى الغونيم وراشد الشمراني وعلي السعيد وسامي الجمعان وعبدالله التركي وعبدالعزيز إسماعيل ومحمد العثيم وراشد الورثان وعباس الحايك ومن الأخوة العرب الذين ساهموا بشكل فاعل ومؤثر سمعان العاني وزكريا المؤمني وصبحي يوسف وأسماء كثيرة نسيت أن أذكرها بالتأكيد.
* نختم بالسؤال عن الآمال والتطلعات والأحلام.. بماذا يحلم فهد الحارثي مسرحياً وثقافياً ووطنياً؟
- أحلم بالكثير وأمل الكثير فنحن محكومون بالأمل، متطلعون بطموح، مدفوعون للعمل بحلم ودونه، لذلك تأتي أحلامنا بسيطة لأننا لا نطمح في الكثير فقد تعلمنا من التجربة أن نعمل باستمرار ولا ننسى الطموح عني شخصياً حلمي الكبير وجود المراكز الثقافية في كل مدينة وقرية تلك المراكز التي يمكن أن تكون مصدر إشعاع لنشر الفكر والثقافة لا أريد ذلك البناء المترف من فئة الخمسة نجوم، أريد مراكز من فئة الثلاث نجوم بها مسرح وقاعة محاضرات وصالات للفن التشكيلي وقاعات للفنون الشعبية والتدريب، أحلم بذلك المكان الذي يعيد تشكيل الوعي وينشر الثقافة والفكر ويلتصق بالناس يقدم لهم ويقدمون له، أحلم بتفريغ الأديب والفنان ليقدم لنا فكره وفنه بعيداً عن ارتباطاته الحياتية التي تلتهم وقته.