يقولون في اللهجة: (أنا يا محاكيك ما عندي خبر. ويقولون: خطب رجل بنت زيد لكنه ما جزم أنت يا زيد علشان ولد أخوه يبيَهْ). وهذا النداء له أصل في العربية؟ ويسميه النحويون (الاختصاص) ويكون الاختصاص بطرائق مختلفة أشهرها طريقتان: الأولى: إقحام اسم منصوب بفعل محذوف وجوباً بعد ضمير يطابقه في عدده وجنسه، مثل: نحن - معاشرَ الأنبياء- لا نورث. وهذه الجملة المقحمة لا محل لها من الإعراب. والآخرة: النداء المنقول إلى الاختصاص على نحو ما جاء في (حديث كعب بن مالك {فتخلفنا أيّتُها الثلاثةُ} يريد تخلُّفَهم عن غزوة تبوك وتأخُّر تَوْبتهم وهـذه اللفظة تقال في الاختصاص وتختص في المُخْبر عن نَفْسه تقول أمَّا أنا فأفعل كذا أيها الرجلُ يعني نفسه فمعنى قول كعب أيَّتُها الثلاثة: أي المخْصوصين بالتخلُّف). ومثالُه أيضاً قولُه:
جُدْ بِعَفْوٍ فَإِنَّنِي أَيُّهَا الْعَبْدُ إلى الْعَفْو يا إلهِي فَقيرُ
ويبين المبرد نقل التركيب من النداء إلى الاختصاص وأن النداء غير مقصود ولكن التنبيه يجعل المنادى مختصاً بالخطاب، قال: (قولك: اللهم اغفر لنا أيّتها العصابة، فأجروا حرف النداء على العصابة وليست مدعوة؛ لأن فيها الاختصاص الذي في النداء، وإنما حق النداء أن تعطف به المخاطب عليك، ثم تخبره، أو تأمره، أو تسأله، أو غير ذلك مما توقعه إليه، فهو مختص من غيره في قولك: يا زيد، ويا رجال. فإذا قلت: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. فأنت لم تدعِ العصابة، ولكنك اختصصتها من غيرها؛ كما تختص المدعو، فجرى عليها اسم النداء، أعني أيتها، لمساواتها إياه في الاختصاص). وشرح الزمخشري هذا التركيب في قوله: (وفي كلامهم ما هو على طريقة النداء ويقصد به الاختصاص لا النداء، وذلك قولهم أما أنا فأفعل كذا أيّها الرجل، ونحن نفعل كذا أيّها القوم، اللهم اغفر لنا أيّتها العصابة. جعلوا أيًّا مع صفته دليلاً على الاختصاص والتوضيح، ولم يعنوا بالرجل والقوم والعصابة إلا أنفسهم وما كنّوا عنه بأنا ونحن والضمير في لنا كأنه قيل أمّا أنا فأفعل كذا متخصصاً بذلك من بين الرجال، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب). وبيّن ابن هشام طبيعة هذا المخصوص بأن (أيًّا) فيه تبنى على الضم. وتذكر مع المذكر وتأنث مع المؤنث. وتلزم الإفراد وهاء التنبيه والوصف معّرف بأل. وأضاف الأشموني كون الاختصاص بدون (يا) وأخواتها لفظاً ونيّة، لأنه لا يقع في أول الكلام ويشترط في المقدم عليه أن يكون اسماً بمعناه. وبين الصبان أنه يختلف عن النداء بأن الكلام معه خبر ومع النداء إنشاء. وبأن الغرض من ذكره تخصيص مدلوله من بين أمثاله بما نسب إليه بخلاف النداء. وبأنه مفيد لفخر أو تواضع أو بيان المقصود.
والذي أراه أن الاختصاص منقول من النداء بأداته ولكنه اكتفى ب(أيّها) في الفصيحة لدلالة التنغيم عليها ولكثرة استعمالها وتنبيهاً إلى خروجها من غرض المنادى البحت إلى غرض جديد، واستمر استعمالها في المستوى اللهجي.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244