فتاة من الريف الساحلي، تبعد عن البحر خمسة عشر كيلاً، ورغم هذا القرب فلم تكن تعرف من البحر سوى اسمه، وأساطير حكتها أفواه كبار السن من عائلتها، تناقلوها جداً عن جد، مزارعين لم يغادروا يوماً مزارعهم، ما احترفوا البحر حياة وما كان مصدر رزقهم. وهي بالمثل لم تكن تغادر بيتهم الطيني، تكنس وتطحن وتمارس الحياة بحيث لا تتعدى بيوت الحي إلا لسقاية الماء من البئر القريبة.
* * *
ولأنها امرأة من تلك النساء اللاتي غزلت الشمس شعرهن، فكان أشقر ضاربا للحمرة، رغب عن الزواج بها أبناء حيها؛ كان السواد رمز جمالهم المؤله في ذلك الوقت.
فتزوجته: صياد خاض البحر، وكان لا يعرف استقرار الشجر، ولم تتعلق جذوره يوماً بتربة.
أجتمع الطين بالماء, وكانا غريبين كغرابة البحر عن اليابسة!
في كل ساعة، بعد أن يكل المنجل في كف زوجها، كان يرفع عينه نحو البحر, ويغيب في نظرة محمومة.
لبشرة زوجها طعم الملح، ورائحة البحر، ولم تكن سنة من العيش كمزارع لتغسله من تلك السمرة البحرية، وكان له تشرد الموج.
* * *
بعد سنتين كليلتين من النصب ودورة الزراعة -حاولت فيها وعائلتها طاقتهم، أن يرسخوا لزوجها جذوره حيث مزارعهم- غادرها والموسم حصاد، وثمرة الزواج في شهرها التاسع تكاد تتفجر بالحياة.
كبر الغلام وكان دائماً يطوح بنظره نحو البحر، وذات يوم وقد بلغ الخامسة عشرة لم يعد.
ركب سفينته ومضى، أما هي فعرفت معنى الأساطير البحرية، وأدركت معنى لعنة التشرد التي تلاحق أبناء البحر.