لم أجد فكرة بعينها تنفع أن تكون مرجعاً تأطيرياً للنص التلفزيوني، الذي نويت كتابته. وعلى خلاف الرواية التي تبدأ من لحظة غامضة للغاية. حاولت تخيل الجو العام للمسلسل، الجو ليس كنسيج معماري، إنما كجو فقط.
ورغم محاولات التخييل المتكررة، ظل كل شيء مبهماً، مضبباً... في دخيلتي كانت ترن، نبالة إنسانية، تبدو ضائعة داخل هذه اللجج الرهيبة، ثم في المآل الأخيرة، تنبثق بغتةً حين أزجها في مواقف صعبة، عصيَّة، تنبثق هكذا في المشرف الأخير مثل شبح بعيد سكران،.. يتأكد رويداً... ثم يبقى.
أقول في نفسي: إذا كان التاريخ لم يمنحنا أدلة كثيرة على انتصار الخير بل إن الشر كان هو المنتصر غالباً، فهذا باعتقادي لأننا كبشر لم نزج في مواقف كبرى حقيقية إلا ما ندر، حيث إن حياتنا مصابة باستمرار بالهرج والمرج، إذ إن الارتكابات الإنسانية في هذه الحال، تصبح ممارسة عادية... لذلك فإن بقاء الجنس البشري ظلّ محمولاً ولا شك على هذا الإيقاع الأخير للخير، والذي لا يكشف عن نفسه إلا عبر الفجائع الأسيّة الكبرى. وتلك الامتحانات التي تكون فيها المصائر برمتها هدفاً للصراع، وفي هذه الحال فإن المصائر سواء انتصرت وبقيت، أم ذهبت ضحايا، فإنها ترنن تلك البقعة الخيّرة، وهذا الترنين الذي يحال في الهرج والمرج إلى لفظ، حيث وضأته آنئذٍ منزوية في الخلف، فإن البشرية تعيش وتبني عليه على نحو وهمي... تلفظه ولا تحسه تماماً... لا تعيشه تماماً... إنه قولي تماماً في هرجها ومرجها.. تسأم منه من شدة انزوائه، وابتعاده، تشك في وجوده، لكنها تظل تلفظه رغم كل شيء. وهكذا إذاً فالخير وهم... إذاً فالبشرية، وهذا هو ناموس الحياة، لا تستطيع الإمساك بالأصلي إلا ما ندر، لكن من هذه الندرة، يشاع وهم الندرة، وهو يكون شائعاً، ووهماً ليترك الإنسان في حماقاته، وارتكاباته.. مشكلاً له في عفسه، وضأة من وهم الأصلي، حتى يظل الكائن واثقاً بجنسه البشري فقط، لأن الأصلي الذي لا يتنبع إلا من مواقف صعبة فادحة، لو كان هذا بكامل أصليته، وبهاضته، واستقامته، مرافقاً للإنسان بوضحة لا لبس فيها، لأصبحت الحياة صعبة، والعيش فيها مكلف لا يطاق.
فتصور أن يظل الإنسان في يومياته يتعرض لهذه المشهديات، والمواقف الرهيبة التي تكشف عن أسه الأصلي، فإنه لن يستمر أكثر من شهر واحد ويموت... إذاً فليس الفن فقط الذي ينتج وهم الحقيقة.
كما كنا نظن سابقاً، بل إن الإنسان في عيشه ينتج هذا الوهم الذي يشير إلى الحقيقة والخير دون أن يتضمنها، تاركاً له هامشاً للحراك... هامشاً واسعاً للحراك.
على هذا النحو تعايش الإنسان مع مختلف العقائد، ولأزمان طويلة في التاريخ لأنه ظل يعيش حراكه الخاص، حاملاً فقط وهمها، ولو كان الإنسان على عكس ذلك، لفرضته العقائد منذ بدء التاريخ، بسبب طهرانيتها،..
لكن، كيف يكون هذا السرد... هذا التخييل السابق نافعاً لمسلسل تلفزيوني عربي.
ملاحظة: الخير والشر هنا ليس
بالمعنى الميتافيزيقي وإنما بمفهوم الحقيقة وتضادها.