الثقافية - حوار - سعيد الدحية الزهراني
علي سعد الموسى.. أو (قوقل سعد الموسى).. الرقم الأصعب في سماء الكتابة المقالية في الصحافة المحلية..
جاء إلينا عبر (الوطن) الصحيفة مترجما.. والأرض منتميا.. فانتهينا إليه..رئة جمعية ثالثة.. لا نتنفس من خلالها فقط.. بل نتعلم منها بصدق.. دروس الوطنية والشجاعة والتفرد..!!
هذا الجسد النحيل علي الموسى (القوقلي الأميز).. يحمل قلما بحجم الوطن.. ووطنا بحجم الانتماء.. وما بينهما تمتد مساحة من التطلعات والآمال التي تبدأ بالوطن وتنتهي إليه عبر دوائر الانتماء والتنمية والوحدة وكافة تفاصيل حياة الإنسان السعودي على خارطة جسد الوطن الأثمن..
الكتابة لدى علي الموسى.. دراسة علمية مصغرة.. لها كامل الخطة المنهجية البحثية.. وهذا هو التوجه الحديث في كتابة المقال.. ولأساتذة الإعلام في جامعاتنا السعودية أقول.. درسوا طلابكم فن المقالة.. وفق الأنموذج الكتابي الأميز علي الموسى.. اقرأوه جيدا وفق لعبة الرمز والمعنى.. مارسوا تفكيكية القراءة لتكتشفوا أي دم يسكن قلمه وقلبه وعروقه.. دون أن يجف للحظة واحدة أمام تيارات وأدلجات أخذته حتى إلى لون سيارته وجنسية زوجته.. زورا وبهتانا.. فضلا عن معاقل التكفير والترهيب على شبكة الإنترنت..
في هذا الحوار تداخلت معه حول بعض الزوايا لا كل الواجب.. ومارست صحافيتي بالاستثارة والإثارة.. لكنه علي الموسى وكفى!!
* البداية من ثقافة القبلية أو (أعلام القبيلة) كما أسميتها في إحدى مقالاتك.. كيف يقرأ علي الموسى هذا الصوت الذي برز مؤخراً بصورة جعلت الكثير من قادة الرأي - وأنت أحدهم - يتناولونها في طرحهم بصيغ تحذيرية وانتقادية كثيرة..؟
- القبيلة ردة اجتماعية ستعيدنا للمربع الأول نصف قرن للوراء، وهي بلا مواربة تفكيك عبثي لفسيفساء لحمة وطنية توحدت بالعرق والعروق وتجزئة مخيفة لمفهوم الولاء للعلم والوطن الواحد. تكفي الإشارة هنا لجملة رمز القبيلة في شاعرها الفحل الذي قال وهو يبرر هزيمته: لقد شرفت قبيلتي ووطني، في اعتراف شارد ساذج بأولوية القبيلة. القبيلة في العصر الحديث لا تزدهر إلا في أماكن التوتر والبيئات المتخلفة واليوم لا تجدها إلا في أفغانستان ورواندا وغرب السودان والصومال وشمال التبت، ولك أن تحلل طبيعة الصراع القاتل في هذه البؤر لتعرف ما إذا كنا قادمين بأيدينا إلى الطابور. أنا لا أبالغ ولكنني أستشرف.
* القبيلة بين قلمين (الغذامي والموسى).. الغذامي يراها شكلاً ثقافياً والموسى يراها ردة ثقافية.. الغذامي يفرق ما بين القبيلة واشتقاق القبائلية والموسى يراها قبحاً جمعياً.. ما تعليقك؟
- الفارق بيني وبين أستاذي الكبير أن الغذامي يتسلح خلف النظرية بينما أنا أتمترس خلف الواقع. مع احترامي لأستاذي فإن برجوازيته لا تعطيه شغف الممارسة ليعرف وطأة تأثير النزعة القبلية على النسيج الاجتماعي. ومرة أخرى فإن الغذامي يعيش مركزية الرياض حيث المجتمع النجدي الذي لم تعد القبيلة فيه أولوية على حساب اسم العائلة بينما أنا أمارس الاجتماع الجبلي حيث القبيلة فتنة نائمة.
* عندما أعلنت رأيك في قراءة الغذامي لثقافة القبيلة والمزايين واعتبرت أنها مجرد توارٍ من (كارتيل البعارين) مع علمنا جميعاً أن الغذامي لم يتوار أمام أدلجات وتيارات.. فكيف يتوارى أمام كارتيل النوق.. .أقول عندما أعلنت رأيك هذا أجاب الغذامي بأن المسألة أكبر من هذه الرؤية الضيقة وهي أن تنحصر القضية في التواري أو الشجاعة.. القضية تحمل أبعاداً أهم وأعمق.. .ماذا عن هذا المحور؟
- أنا لم أقل إن الغذامي توارى تحت ضغط كارتيل البعارين، ورؤيته المفاجئة المختلفة لثقافة القبيلة لا تلغي شجاعته التي وقف بها بعيداً ذات فترة في وجه تيارات جارفة ولا تعني أيضاً استسلامه لكارتيل النوق. الغذامي عاش مبشراً حداثياً ورمزاً للتيار فلا أظن أنه سيلبس الورقة النقيض ليدفع بالموافقة على ثقافة قروسطية متخلفة. وعلى العموم فاختلافي مع الغذامي يكمن في أن تحليل الظواهر لا يحتاج لمصطلحات مثل الشجاعة أو الرؤى الواسعة أو الضيقة. وعلى ما يبدو فإن الغذامي مهووس بالرسمية والكتاب والنظرية ولعله لم يشاهد مثلنا صورة البلد في القنوات الشعبوية الهابطة وهي تتحول إلى مجرد شعب مهووس بتفاصيل الناقة وألقاب القبيلة.
* نتابع جميعاً تشاؤميتك حول ثقافة القبيلة والمزايين والردة الثقافية.. السؤال: إلى أي حد تتوقّع أن تصل قبحيات هذه الثقافة..؟ هل تتوقع أن تمس وعي الوحدة مثلاً.. وهو أثمن مقدراتنا التي نفاخر بها (وحدة المجزأ)؟
- ومن قال لك إن هذه الظواهر القاتلة لا تمس وحدة الوعي ووعي الوحدة فإنما ينظر للأمر بسطحية. حينما اكتشف أن ولدي الأكبر في نهاية المرحلة المتوسطة يدمغ بيتنا وأطراف سيارتنا برمز قبيلتنا الرقمي ثم يبكي لأنني مزقت هذا الهراء فماذا تسمي الظاهرة. حينما تعود كل قبيلة إلى رمز من موقعها الجغرافي السحيق لتحتفل به وفيه وحينما تدفع الملايين من أجل قصيدة فخر قبلية فماذا يكون الأمر. هذا استدعاء لثقافة عمرو بن كلثوم وناقة البسوس.
* لديك بعض الإشكالات مع التيار المحافظ .. ولا يكاد يخلو موقع إلكتروني ثقافي من الإشارة إليك.. الساحات مثلاً.. السؤال: لماذا كل هذا التجييش ضدك؟ هل لأنك فعلاً تزعج أعمق ما في أعماقهم من أمراض نسقية؟
- أنا لا أعلم شيئاً عن ماهية وطبيعة أمراض هؤلاء النسقية أو المزمنة. وعلى العموم، فمن «طوى» الليبرالي حتى الساحات التي كانت حتى وقت قريب لسان القاعدة في جزيرة العرب أتلذذ بتهم النقائض وهذا التباين يشعرني كم أنا مستقل صعب على التصنيف. أنا لا أزعم أنني أسست لخطاب مختلف أو جديد فهذا فوق طاقتي وقدراتي، ولكنني متأكد أنني شخص خال من الارتباط -المصلحجي- بمدرسة أو تيار. لا أخشى الصوالين ولم تأسرني (بعد) مجاملات العزايم والمنح. انعزالي ربما بحكم المكان لكن كل هذا يمنحني قدراً هائلاً أن أضع أصابعي في عش الدبابير وإذا لدغ الدبور واحدة منها يبقى لي من الأصابع تسع تكفي حتى يلتئم جرح الإصبع الملدوغة.
* نلحظ تناقضات واضحة أحياناً في ما تطرحه من أفكار.. مثلاً عندما تناولت قضية الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم كتبت أولاً.. (اطردوا سفراء الزبدة).. ثم كتبت بعدها مقالاً تعرض فيه سلبيات المقاطعة من خلال ذكرك لعدد من الواردات إلينا من الدنمارك أهمها الإنسولين..؟ السؤال: كيف لنا أن نفهمك وفق ضبابية الرؤية لديك في بعض طروحاتك كما في المثال السابق؟
- لا تناقض في مواقفي على نصوص السؤالين والفارق في التأويل. أنا ضد الغوغائية الديماغوجية الشعبوية لشيخ يدعو لمقاطعة أمريكا وضرب مفاصل اقتصادها وهو من الضعف بمكان أن يتحدث عبر لاقط ياباني وأتى للمكان ممتطياً ظهر سيارة أمريكية. خذ بالقياس كل دعوات المقاطعة في عالم متخلف يعجز حتى اليوم أن يصنع إناء لبسترة حليب بقرة.
*هناك من يطالب بعض الأدباء بإعلان براءتهم من بعض أعمالهم الأدبية .. (روايات مثلاً) فيما أنت تمتدح بعضهم وتشيد بهم.. ماتعليقك؟
- ولماذا في ذات المسار، لا نطلب ممن يطلبون من الأدباء إعلان براءتهم من أعمالهم الأدبية.. إعلان براءتهم من بعض شعر الصحوة التحريضي ولماذا لا نطلب منهم أيضاً أن يوضحوا لنا سبباً واحداً لإغفال كل المنجز الوطني من كامل القصائد التي ألقوها في أمسيات عامة وكأن الوطن بلا منجز وبلا رموز في عصرهم وأمثالهم للهوية الأممية. خذ مثالاً حين ألقى أحدهم -في ذروة الإرهاب المحلي- كل قصائده وكأنه على منبر في الشيشان أو الصومال أو كأنه لا يقرأ أخبار التفجير والقنابل التي كان الأمن السعودي يلاحقها يومها بالساعة. هؤلاء يتحدثون عن نص روائي في كتاب شارد وهم الذين سكتوا عن فتنة فكرية مستعرة.
* يقال إن علي الموسى ظاهرة مقالية فقط.. بدليل أنه لم ينتج كتاباً واحداً من فكره وإبداعه.. على الرغم من أن المتابع لكتابات علي الموسى يلحظ جانبين أساسيين في الكتابة لديك.. الأول تفرّد الأسلوب الكتابي لديك، بل والنزعة إلى البعد الأدبي.. أي أن القارئ ينتظر منك بشوق عملاً أدبياً.. والبعد الآخر وهو المعرفية والمعلوماتية.. أي أنك قادر على إنتاج كتاب معرفي علمي فكري.. ما تعليقك؟
- كل ما كان في النصف الأول من السؤال صحيح حتى اللحظة. لكنني أنظر لرسالتي نحو الرأي العام بصورة مختلفة والمهم لدي كيف تصل رسالتي في صياغة الرأي العام وفي تشكيله بالطريقة الأبلغ أثراً. لا أعلم عن تأثير قلمي في المساحة الوطنية ولكنني متأكد أن رسالتي إلى جامعتي حيث أعمل ومدينتي حيث أعيش كانت أبلغ بمراحل من تأثير أساتذة سطروا عشرات الكتب الصفراء ثم يبيعونها بالمنحة أو الجباية. بعض مقالاتي تحدث ضجيجاً وحراكاً لم تحدثه كتب كاملة تناولت ذات القضية. اهتمامي الجوهري الآن يكمن في تأثير رسالتي لا في قالبها وشكلها وهذا أحمد الربعي وعبدالرحمن الراشد على رأس أدوات التأثير في المحيط العربي ولم يكتبا مخطوطاً واحداً حتى اللحظة. وعندما أستشرف الخاتمة سأكتب كل التجربة في كتاب سيكون لي طلقة النهاية.
* الأندية الأدبية.. (سالفتها طويلة ها الأندية الأدبية) كيف ترى وضعها.. التغييرات التي حصلت فيها.. التعيين وإلغاء الانتخاب الذي هو أصلاً في صلب نظامها الأساسي.. الاستقالات الجماعية (نادي مدينتك الأدبي - أبها - مثال قوي).. عملها الكسيح.. تقييد الثقافة ب/وزارة.. كل هذا وغيره.. ما رأيك؟
- الأندية الأدبية جزء من رسمية الرقابة وهي اختراع سعودي كان يصلح لبوليسية السبعينات والثمانينات الثقافية أما اليوم فإن وجودها جزء من العبث الفكري. نحن البلد الوحيد الذي يدفع للأديب كي يكتب وللداعية كي يخطب. ومع احترامي لتاريخها الطويل فإن رموزنا الثقافية لم تولد من مظلة الأندية الأدبية. خذ نماذج عبده خال وعبدالعزيز مشري وجاسم الصحيح وأحمد وإبراهيم عسيري، كل هؤلاء أندية ثقافية مستقلة لم تخرج من الرحم الكسيح للأندية. القرار الصحيح اليوم أن نلغيها تماماً ليبقى الفيصل هو حكم السوق ومن أراد نشر إبداعه وفكره فهناك رفوف المكتبة.
* حركة الحداثة لدينا.. أو قل حكاية الحداثة.. أولاً هل كتاب حكاية الحداثة في المملكة للغذامي .. هو حكاية الحداثة فعلاً أم أنه حكاية الغذامي مع الحداثة.. ولماذا في نظرك يختزلها الغذامي في الإسقاط على الدكتور سعد البازعي تحديداً.. وعدد من الرموز الأخرى الثبيتي والسريحي والصيخان وغيرهم؟
- لا، كتاب الغذامي عن الحداثة هو نصف سيرته الذاتية الشخصية لا قصة الحداثة المحلية إلا إذا اعتبر الغذامي نفسه لوحده قصة الحداثة. وهنا لا بد من تدخل جراحي لفصل التوأمين وهنا أعيب على أستاذي أنه يظن أنه كان لوحده الرمز. أما قصته مع رموز الحداثة الآخرين كما ورد في السؤال فهي شهادة استقلال للحداثة وللتيار الليبرالي لأنهم بحق لا يتصرفون ككتلة مستقلة ولا كتنظيم حركي مترابط كما هي بقية الخطابات السائدة على المشهد المحلي. الليبرالية والحداثة لا تتورع عن خوض المعارك والمكاشفات فيما بينها ولا تتستر ولا تجامل بعضها بعضاً لأنها ببساطة حركة حرة مكشوفة. قارنها بالخطاب الإسلامي وسترى الفارق الهائل وهنا سأكتفي بالرمزية.
* يقال إنك شخص بوهيمي.. عبثي.. وكثير من مثالياتك التي تكتبها لا توجد ضمن منهجك الحياتي العام.. (أقرؤك فأُعجب .. أراك فأتعجب) ما تعليقك؟
- نعم، وفوق هذا فأنا في حياتي الخاصة مثال هائل على الفوضى الخلاقة. أكره الرتابة والروتين لكن كل هذا لا يلغي وقفتي الصارمة مع القيم والمبادئ التي أنادي بها وأجزم أنني أتلبسها ما حييت. لكن الذي أريد أن يعرفه الجميع كي لا يلتبس عليهم السؤال أنني لم أمتحن في شيء كي نعرف مقياس السؤال فأنا، ولله الحمد، لم أعمل إدارياً، أو مناصبياً ما يستحق الذكر ولم أدع (لكراع) أو لجنة أو مجلس فلا أعلم سراً للتباين في السؤال بين ما أكتب وما أفعل. كل العقد الإداري والثقافي الذي يربطني بين سلوكي ومثاليتي هي قاعة الجامعة وهنا أوجه سؤالك بالإحالة لطلابي، هم لوحدهم قناعتي ورصيدي وهم لوحدهم من يستطيع تحديدي وشخصيتي على مسطرة السؤال.
* ما قصتك مع رجال الحسبة.. أو جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. لماذا لا تعترف أصلاً بأنهم رجال الحسبة.. بدليل أنك كتبت مرة قائلاً ما معناه أن الحسبة تعني احتساب الأجر عند الله ورجال الهيئة يتقاضون رواتب شهرية..؟ هل ترى أن الراتب ينافي معنى الاحتساب؟
- دعنا نسم كل شيء باسمه الصحيح حتى ولو أغضب قولنا البعض. لا أحد اليوم يعمل بالمجان وحتى العمل الديني تحول إلى مؤسسة اقتصادية. وفي كل مكان في الكون تأتي المؤسسة الدينية على رأس - البيزنس- والكنيسة في أمريكا تأتي في المرتبة الثانية من بين أكثر الأعمال ربحية وعائداً على الأفراد المشتغلين بالعمل الديني في ردهاتها. هنا تصرف الدولة (سدس) الميزانية على المناشط والمصالح الدينية ومنها جهاز الهيئة. فمن هو الذي فيهم يعمل ساعة واحدة بالمجان. خذ مدينتي مثالاً حيث يعمل الهلال الأحمر ببضع سيارات أكل عليها الزمن فيما ذات الجهاز يصرف الموديل الأخير من أحدث ماركات - اللاندكروزر - وكأننا في جبال الريث لا في شوارع مدينة مرصوفة.
* ماذا عن الصحافة المحلية بشكل عام.. هل تشعر أنها فعلاً تقدّم عملاً صحفياً احترافياً يتوازى ووضع الراهن؟ أم أنها بحاجة إلى خطوة مشابهة لما تم في الأندية الأدبية؟ وماذا عن الصحافة الثقافية تحديداً..؟ هل ترى أنها تقدّم حراكاً ثقافياً مبهجاً أم أنها لا تزال تعاني أوجاع الكهول وأبراجهم العاجية..؟
- هي تحاول وتجتهد. لكنني أصدقك القول أن الكاتب الوطني الملتزم بقضايا وطنه وهمومه يشعر اليوم أنه ضحية استغلال. الذين وقفوا مع الوطن في أزمة الإرهاب هم نخبة الشرفاء الذين وقفوا في وجه موجة الفكر الضال وهم الذين تتلقفهم التهم اليوم ويواجهون الإقصاء لأن الموجة انتهت ولم يعد المشهد الثقافي في حاجة لهم. الصحافة مثل مؤشر الأسهم مرة في القمة وأخرى في الهاوية بمزاج رؤساء التحرير. وخلاف ملحق الجزيرة الثقافي لا يوجد من ملاحق الثقافة إلا دكاكين مشرفيها الذين يبيعون حلواهم القديمة في غلاف جديد.
* ألا يشعر علي سعد الموسى .. وهو الكاتب الذي ما برح يكتب عن هموم الوطن وشجون التنمية.. بحالة من اليأس عندما لا يجد لكتاباته أثراً واقعياً من قبل الجهات التي ينتقدها ويشير بقوة إلى مواضع الخلل فيها؟
- الكتابة ليست طب أطفال يشاهد فيها الطبيب مريضه يتعافى في اليوم التالي للتنويم. الكاتب الحقيقي طبيب نفسي يشخص حالة - الفصام - بالصدمة الكهربائية لكن المرض يستهلك السنين حتى يستوعب العصب والهرمون نتيجة الصدمة. الكتابة والفكر ليست بجهة تنفيذية حتى تجد أثرها على الواقع ولكنها رقابة وأمانة وفي نهاية الأمر لسنا بريطانيا ولا حتى الفلبين. المنصب والوظيفة عندنا صك استدامة ما دامت الحياة فمن هو اليوم ذاك الذي يخشى من كاتب بصحيفة.
* حصة العون تتهم عدداً من الكتاب الليبراليين بتهمة تلقيهم العطايا من سفارات بلدان الغرب لدينا.. ما الذي تريد أن تقوله حصة.. بحكم أنك كتبت حول هذا الشأن وربما كنت أحد من تقصدهم العون.. في تهمتها؟
- نعرف تاريخ حصة العون مع النخب الليبرالية المحلية ومع هذا لسنا هنا بصدد قراءة سيرتها الفكرية ولا الذاتية. هي تمثل بكل صفاء قصة مجتمعنا مع التصنيف والتهم طالما أنها وغيرها يعرفون تماماً أنها لن تستدعي للإثبات أو النفي. وعلى أية حال فقد نجحت بكل إبهار في التهمة، وبالأمس فقط تسلمت في مكتبي تعميماً يحظر الاتصال بالسفارات والممثليات إلا عن طريق الجهة الرسمية. تلقيت هذا التعميم - العوني - بكل سرور رغم أسفي أنه وزع على 500 أستاذ بجامعتي فقط من أجل أن يصل إليّ.
* قينان الغامدي.. متى كرّمنا قينان الغامدي في نظرك؟ هل عندما أزحناه عن رئاسة الوطن؟ أم عندما كسرنا قلمه؟ أم عندما انتدبناه ليكمل دراساته بعد أن شاخ عمره لا وعيه؟
- كدت أن أسحب السؤال كي لا يتحول الحديث الموجب عن قينان إلى تهمة. سيذكر تاريخ الإعلام السعودي أن - القينانية - كانت مفصلاً بين مرحلتين وسواء أزحناه عن رئاسة التحرير أو كسرنا قلمه أو حتى أدخلنا أصابعه للجبيرة الجبسية فكل ذلك من لوازم التكريم الذي أسفناه عليه وقل لي بربك: كم هي الإضافات الهالكة التي أضفناها لاسمه من حيث لا ندري ولا نحسب. البلدوزر قد يتعطل لكنه لا يشيخ ورحلة الدكتوراه مجرد مرحلة احتجاب واحتساب وهو أكبر في حقله من أن يضيف الحقل شهادة إليه.
* السواد الذي تقدّمونه لنا أنت وزملاء الحرف معك في الصحف السعودية من انتقادات تشمل كل شيء لدينا وفينا - مقالك المعنون ب(شاعر خسر في سيرك..) بما تضمنه من حقائق يأتي في ذات السياق مع السؤال التالي: ... دكتور علي.. كيف ترى أننا نعيش..؟
- من نهاية السؤال أبدأ: نعيش لنأكل، وقد قلتها مؤخراً أن التنمية ليست في العمران بل في الإنسان ويكفي من الرمزية لإجابة هذا السؤال ما قلته سابقاً أنني أخشى على مجتمعنا وهو يزعن نحو النبطي والمزاين بهذا الإنحدار المخيف أن يأتي اليوم الذي تكون فيه صورتنا مجرد بلد المليون بعير.
* خطابنا الثقافي المحلي.. هل ترى أن لدينا خطاباً ثقافياً واضح المعالم يتجاوز مدار المحاولة والتجريب ويؤسس لوعي المشروعات الفكرية الكبرى..؟
- يصعب بالتأكيد تجاهل بلورة الخطاب الثقافي المحلي. وفي بعض حالات التفاؤل النادرة التي تنتابني أشعر أننا قادة الخطاب العربي الحديث لأننا نسيطر على الإعلام وصناعة الكتاب والنشر وقد يتعارض تفاؤلي هذا مع بقية خيالاتي في كل ما قلت آنفاً. دعني أحذر أخيراً من أن بعض صورة خطابنا الديني المتشدد هي صورتنا لدى الآخرين وهي ما سيبقى في الأذهان انطباعاً حولنا إن لم نتدارك الأمر.
* كيف يرى الدكتور علي الموسى.. واقع التيارات المجتمعية لدينا.. إلى أي طرف يرى الموسى أنها تميل الكفة..؟ بمعنى آخر إلى أي مدى ترى انحسار المد القبوري في مقابل الصوت العقلاني التنويري المنفتح؟
- لصالح الخطاب القبوري للأسف الشديد ولسبب بسيط: لأن أجندة الخطاب الديني وسدنته ورموزه لا تفعل ما فيه الكفاية من أجل الصوت العقلاني الوسطي المعتدل ولأن الخطاب الديني أيضاً يميل للمدارة والمجاملة بين تياراته المختلفة ولا يلجأ للمكاشفة والمصارحة. حين قلنا أن الإرهاب نبتة من بعض قليل شاذ من داخل هذا الخطاب ثارت ثورة الخطاب الديني رغم أنه ليس بالمجمل في التهمة وحتى بعضهم ظن أن الإرهاب مجرد ردة فعل لاستفزاز الطرف المقابل له وهذا تبرير ساذج سطحي وطالما أن الخطاب الديني مؤسسة رسمية تقبض الثمن وتستأثر بالمجموع وطالما أنه لا يعلن البراءة عن بعض تشدده فلا أمل في بصيص من إصلاح الحراك الثقافي. لا أحد كما يبدو جاداً في حصانة أمننا الفكري.
* (بين ابن بجاد والبراك: صوت العقل).. .نريد صوت علي الموسى الواضح والقوي دائماً.. ما هي كلمتك فيما يدور حالياً بين ابن بجاد وأبا الخيل والشيخ البراك..؟
- لا أحد يريد أن يستمع لصوت العقل وقد قلتها بوضوح في ثنايا تلك الفرقعة. لكن الأهم أن لغة التكفير باتت أقرب للسان من كوب الماء بين الأصابع. الزمن يثبت أن علماء التشدد والتكفير مجرد ضباب لا لون له ولا ماء ولا رائحة ولا يمكث ولا يبقي أثراً ولا يستديم لحظة في ثنايا التاريخ. مآثر هؤلاء مجرد فتوى مجلجلة أو شريط يعلو به الصراخ أكثر مما يكتنز من الحكمة أو كتيب من وريقات جيب لا يقرؤه إلا المتحمسون من طلبة الثانوية العامة. ودعني من الاسترسال فمع مثل هؤلاء استحسن الهرب لأن هؤلاء يخوضون الحراك الفكري بأسلحة قاتلة لأنهم وبكل اختصار يفتقدون الأسلحة الفكرية.
* تقول في مقالك: شاعر خسر في سيرك.. نحن أمام مواجهة مخطط تجهيل وتسطيح للوعي الاجتماعي لا لإشغاله بتمثيلية شعراء النبط.. السؤال: من يقف خلف هذا المخطط في نظرك؟.. وماذا عن الشعر الشعبي وشعرائه الذين باتوا يتهافتون من كل حدب وصوب فعلاً.. ربما حتى السمكري والبنشري والحلاق أيضاً شعراء نبط وقلطة.. (خلوها)..؟
- كدت أن أقول (خلوها) لظرف طارئ ثم تذكرت أنني لابد أن أقف مع مبادئي بكل الشجاعة. الذي أخشاه أن يكون الخطاب القبلي ومهرجانات البعارين مجرد مخطط اقترحه البعض لاشغال الشباب عن أتون الأزمة الفكرية التي خلقها الإرهاب كي تكون بديلاً ومتنفساً وحاوياً جديداً يأخذهم من براثن التطرف. وإذا كان حدسي صحيحاً فنحن بالفعل نقترح حلولاً لأزمة أمة بالبديل على حساب وحدة وطن فكأننا نأخذهم من خطاب متطرف إلى خطاب متخلف.
* لنختم ب(الشباب).. الطيف المجتمعي الأوسع.. ماذا يقول عنهم علي الموسى وما الذي يقوله لهم..؟
- ونحن نختم، آمل أن أكون قد أجبت مواربة بلا دبلوماسية أو رتوش، وللشباب: إذا لم تكونوا جيل إصدار مختلف عن الجيل السابق مواطنة وانتماء وثقافة وفكراً وتعليماً فقد تجدون أنفسكم في مأزق الهوية التي تكرر ذاتها مثل طابع بريد.
أرجو ألا ترثوا أمراضنا وأرجو أن نتحمل الشجاعة الكافية كي لا نرحل ما فوق استطاعتنا لجيلكم وهذا هو القدر الذي ستواجهونه. نحن لم نحسن قضية واحدة وسأعترف أننا تركنا أمامكم الطريق شائكاً وعراً لأننا تعاملنا مع حياتنا كقصر أفراح لا يمتلكه أحد أو كما كان على وشك التقبيل.
اعترف أننا جيل لم نتحمل المسؤولية الوطنية التي تستلزم الثبات والتصدي وسنرحل بكل ما فينا من الفيروسات فلا تقربونا على حافة القبر فالفيروس آخر ما يموت.