القاهرة - محمد الصادق:
انتقد الروائي بهاء طاهر بشدة غياب الحركة النقدية عن الساحة الادبية العربية واتهمها بعدم مواكبة الإصدارات الابداعية الجادة وانصرافها إلى ما يثير الفوضى ويعمق من بعد المسافة بين القارئ والعمل الابداعي بنشر مصطلحات ومقولات غامضة تزيد من غموض النص وانغلاقه. وقال في ندوة اقامتها دار ميريت لمناقشة روايته واحة الغروب إن النقد الآن أصبح ألغازا ولا يوجد النقد الابداعي الذي ينير الطريق للمبدع والقارئ، واستشهد طاهر برواية واحة الغروب قائلا ان الرواية منذ صدورها واعادة طباعتها اربع مرات في فترة لا تتعدى الشهرين لم يتناولها النقاد المتخصصون وكل ما كتب عنها جاء من مبدعين وكتاب ميرا إلى أن هذه ظاهرة لافتة أن يكتب عن الابداع مبدعون أو مفكرون أما النقاد فلديهم اهتمامات أخرى يكتبون عن المتوفين مثل طه حسين الذي لو ظهر الآن فسيقول لهم: كفى.
وعن فكرة واحة الغروب قال طاهر: لقد قرأت عن المأمور محمود عزمي، الذي نسف (معبد أم عبيدة) في واحة سيوة وسيطرت عليّ هذه الشخصية سنين طويلة ودارت بداخلي تساؤلات حول هذه الواقعة وبحثت عن الشخصية ولم أجد لها في التاريخ أي شيء آخر باستثناء واقعة النسف فكان لابد أن أخلق هذه الشخصية.
وعن الهوية قال: أعتقد أنه أدب فقير الذي يهتم بأن يجيب عن أسئلة وقضايا جزئية فأنا عندي رؤية للرواية فهي عالم مركب لا يمكن أن يجتزئه في اجابة عن سؤال وهذا النوع من الأدب يسمى أدباً تعليمياً، أما الأدب الحقيقي فهو يحاول أن يغوص في مناطق أعمق مما لا يمكن للمقالات الصحافية أن تصل اليها.
فعندما يكتب الكاتب يجب أن يحرر من كل هذه الأسئلة الجاهزة ويحاول أن يكتشف عالما جديداً ولا يكون لصانع الساعات أن يضع الترس بجوار الآخر فتدور الساعة.
وفي هذه الحالات نجد الرواية مكتوبة من آخرها وليس من أولها وهي كتابة رديئة.
أما (واحة الغروب) فهي في حد ذاتها سؤال ولا تحاول الإجابة عن أسئلة فقد قلت في مقدمة احدى رواياتي ان السؤال هو نفسه جواب وكون القارئ يستطيع أن يستنتج رؤى مختلفة فهذا هو غنى فن الرواية الحقيقي.
وعن استدعائه لشخصية الإسكندر الأكبر من التاريخ قال: لقد سألت الكثيرين ممن كانت لهم تحفظات على هذا الفصل من الرواية وقلت لهم هل شعرتم أنه عمل فقالوا لا وبالتالي فمعيار جودة أي فصل هو أن يكون متكاملاً مع باقي الفصول، وألا يكون خارج جو الرواية، وأنا شعرت أن هذه الشخصية التي ارتبطت بمصر وسيوة عندها مرآة قوية للقضايا التي تطرحها الرواية وليست بعيدة عنها وأنا لا أفهم لماذا عندما يقوم كاتب مصري أو عربي بإدخال تجديد في الرواية يحدث هذا الهجوم. أما الناقد الادبي محمد بدوي فلم يدافع عن النقاد واكتفى بتعليقة على الرواية قائلا أتصور أن هذه الرواية من أكثر روايات بهاء طاهر وفاء لمواصفات فن الرواية بمعناه التقليدي فهناك انفجارة في مصر الآن بخصوص النوع الأدبي حيث إن كلمة رواية تطلق على أي شيء يُسرد وهنا نجد اصرارا على عودة الرواية بمعناها التقليدي ويساعد على هذا الاصرار مزايا بهاء ككاتب بين جيله.
فجيل الستينات لديه مشكلة مع الحبكة باستثناء بهاء طاهر فهو أفضل من يصنع الحبكة في الأدب المصري الحديث وان لم يكن في الوطن العربي.
وعن الهوية قال بدوي: مشكلة الهوية لدى الكثيرين ومنهم بهاء طاهر يتصورون أن الهوية يكمن جزء كبير منها في اختلاف أوب وستجده عنصرا متكررا في عدد كبير من أعماله مثل عنصر السيدة القادمة من ثقافة أخرى لتدخل على ثقافة البطل وهذا القادم ينظر له على أنه مادة للاكتشاف أو أنه يهدد ما اعتدنا عليه وهؤلاء الغرباء يأتون حاملين لجرثومة بعينها فكلهم شخصيات تقف على الحافة يكاد يصبحون مرضى ووراءهم ماض صعب.. يتصل بالحب والأسرة والتنافس على الرجل ونحن هنا نكون مرة أخرى مع اشكالية المستعمر والمستعمر.
وأكد بدوي على أن الرواية بها جهد بحثي مبذول فيها مثل الجزء الخاص بالصحراء واعادة الذاكرة لما يسمى (أحداث الثورة العرابية، والجهد الخاص بالاسكندر)، وهو جهد واضح في كل فصول الرواية.