تزامناً مع حيازته لجائزة الإبداع الروائي العربي الجديد أصدر الأديب حسين أبو السباع عمله الجديد (حيواناس) عن (دار الناشرون) في القاهرة.. فكانت الرواية إضافة مهمة إلى تجربته الإبداعية، بل هي ثراء وتواصل هام مع المتلقي ولا سيما في الجانب الإلكتروني منه.. حيث عُني الكاتب بأمره، وأثمر العديد من الرؤى المعبرة والإبداعات المتميزة على نحو هذا العمل الروائي الجديد.
أبو السباع عكف ومنذ انطلاقته الأولى إبداعياً على رسم أبعاد المتخيل في حياة الناس، بل نراه وقد استقصى مفردة الخطاب الوجداني للشخوص والأبطال ولا سيما ما له علاقة بالمرأة بوصفها - كما يشير - كائناً غريب الأطوار.
رواية (حيواناس) تأصيل لمفهوم الحياة البسيطة في المجتمع المصري.. حيث يربت الزمن على كتف الذاكرة لتهيل على المسامع أطرافاً من سيرة (محمود ذكري).. تلك التي تتقاطع تجربته الحياتية مع عالم مترامٍ من المتعبين والمجهدين الذين تقسو عليهم الحياة.
بين (حسن) و(محمود) و(سيد) أبناء المعلم (ذكري) تقبع الحقيقة الأليمة.. تلك التي تعلم من حولها طريقة العيش بأسلوب انتهازي مراوغ يناسب حالة العناء والمكابدة.. فالشخصية المحركة للحدث هي حالة (حسن) من ألفها إلى يائها، حتى وإن مات قهراً وكمداً في منتصف الطريق، ليظل (محمود) هو المعني ببقية الأحداث إلى جانب قيامه بمهمة أخيه الراحل (حسن)، فالقصة أو الحكاية تأخذ الجوهر، أو اللب لتسلط الضوء على أصل الحكاية وفصلها، في وقت تستكين فيه اللغة تقديراً لدور السرد الذي يتفنن فيه الكاتب حسين أبو السباع، حينما يخرج لنا من بين أنقاض هذه الحكاية الأليمة جوهرة القصد أو لحظة التنوير.. تلك المتمثلة في تفكيك مغاليق التعنت عند شخوص لا يأبهون في الحياة الهينة والهانئة لأنهم حسب رأيه، ورؤية راويه أنهم يفعلون ذلك رغبة في البقاء وإثباتاً للذات أمام من حولهم على نحو ما فعل المعلم (ذكري) الذي تفنن في تأمين حياته، وأشاع عند الآخرين حوله مزيداً من الرعب والخوف من مواجهة الحياة القاسية، لتتربى ذاته على هذا النحو المعاند الذي فقد جرأة أبنائه: (حسن) الذي مات قهراً وكمداً لما آلت إليه العلاقة بينه وبين أبيه حينها ارتبط بالفتاة (إحسان) وموت (سيد) حرقاً في المقهى كعقاب إلهي، و(محمود) الذي حاول الهرب عدة مرات إلا أنه يعود أدراجه مع كل مصيبة تحل بأبيه.
تأخذ رواية (حيواناس) بُعدها التأثيري من قضايا المجتمع المصري الذي يحاول جاهداً أن يجد له طريقاً في ظل حملة من المثبطات المتمثلة بالفاقة والعوز، وصراعات الأضداد الذين يحاولون إثبات ذواتهم على نحو المعلم (ذكري) وأصحابه.
يقدم أبو السباع للقارئ رؤية متكاملة عن مآل الكاذبين والمراوغين ومن أصابهم الطمع على نحو قصة (ذكري) الذي أقام المقهى على أنقاض حياة إنسان بريء تمثَّل في شخصية (فريد الساعاتي) الذي لقي حتفه على يد (ذكري) غيلة وغدراً، لتنمو في هذا السياق الأليم حكاية الظلم والغدر بهذا الرجل الذي وقف مع (فكري) موقفاً رجولياً حينما ساعده في بداية مشواره إلا أن أفكار الشر وسوست لفكري، ليحصد بعد هذه الفرية نتائج أليمة لم يقو على مواجهتها حتى هزمته ودمرت ما بقي من حياته.. بل إن أبناءه دفعوا حياتهم، ومستقبلهم أثماناً بخسة لأعمال لم يرتكبوها، إنما إرادة الله أرادت أن تنكل بهذا الرجل الذي كابر حتى النهاية.. ليأتي الدرس واضحاً والشعور مكشوفاً على أمداء واسعة استطاع (أبو السباع) من خلالها أن يصور لنا هذه المشاهد البانورامية الاجتماعية التي حوّلها إلى عمل روائي على نهج سلفه الروائي الكبير نجيب محفوظ.
فالكاتب حسين أبو السباع يزاوج فعلاً بين لفظتي (الحيوانات) و(الناس) في امتزاج واضح يعكس صعوبة الفرز والفصل بين تجربة وأخرى ولا سيما قضية (ذكري) التي تداخلت فيها صور إثبات الذات والبحث الغني حتى وإن كان على حساب حياة الآخرين.
*****
إشارة:
- حيواناس (رواية)
- حسين أبو السباع
- دار الناشرون - القاهرة 2007م
- تقع الرواية في نحو (96 صفحة) من القطع المتوسط
****
لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244