ظاهرة التكريم وإقامة المحافل الخاصة به تعتبر ظاهرة منتشرة في شتى أنحاء المعمورة بل إن بعض الدول تقيم مهرجانات سنوية لتكريم عدد من الشخصيات التي تبرز في مجال ما من المجالات ويبدو أن الفنانين واللاعبين هم أصحاب الجزء الأكبر من تورتة التكريمات ويبدو أيضا أن المثقفين والأدباء نصيبهم فقط يتلخص في تلك الورود الاصطناعية التي تتجمل بها التورتة وإن حصلوا على نصيبهم منها لا يكون لهم حظ في أخذه إلا بعد أن ينصرف الحضور وتطفأ الأضواء وتنام عدسات الصحافة.
وفي مجتمعنا العربي اعتدنا على أن يتم تكريم الأدباء والشعراء والمثقفين لكن بعد مجاورتهم ربهم وقسرا منا آمنا بهذه العادة لانعدام البدائل وأيضا في مجتمعنا العربي تتفشى ظاهرة التهميش وتبدو واضحة على حساب من أثروا المكتبات بكتبهم ودراساتهم وإنتاجاتهم الفكرية والأدبية وفي مجتمعنا العربي أيضا يبرز تحجيم من كرسّوا طاقاتهم وأفكارهم لينيروا أفكارنا وعقولنا.
وما دعاني إلى الكتابة هو أننا قبل أيام فقدنا قامة شعرية وصاحبة فكر بل إنها مدرسة أدبية ما زال أكثر شعراء هذا العصر ينهلون من معينها ويسيرون على الخط ذاته الذي سارت عليه
فقدنا نازك الملائكة شاعرة هذا العصر والعصور القادمة وشخصيا توقعت أن يتقدم خبر وفاتها صفحات الصحف الأولى وتوقعت أن يكرمها إعلامنا بعد وفاتها كعادته مع من سبقوها لكن كل ما في الأمر كان مجرد خبر في زاوية قصيّة ومقالة تبرع بها أحد أصحاب الأعمدة بزاوية أخرى وليس هذا بمستغرب على إعلام عربي يتهافت كتهافت الفراش على النار ليأتي بخبر عن فنانة عالمية دخلت السجن أو أخرى عربية أصيبت في حادث.
ماتت نازك الملائكة وأحيت خيبة جديدة بطلها الإعلام العربي، ماتت وهي التي أحيت في قصيدتها ذكرى أكثر من ألف شخص ماتوا بسبب الكوليرا بمصر.
ماتت نازك الملائكة والكثير من أبناء هذا الجيل لا يعرفها والدليل يتضح بعد أن قمت بتوجيه سؤال إلى بعض الشباب يقول: ماذا تعرف عن نازك الملائكة فأتت إجاباتهم ضحلة ومتفاوتة في درجة الضحالة فمنهم من قال إنها شاعرة عباسية والآخر يقول إنها راوية عربية وغيره أفتى بأنها قصيدة لنزار قباني والجواب الأكثر طرافة يقول إن نازك الملائكة مسرحية قديمة.
لا تتعجبوا فهذه هي نازك الملائكة حسب رؤية بعض النماذج من هذا الجيل.
وأنا سأكتفي بالقول أيتها الشاعرة الراوية القصيدة المسرحية أرقدي بسلام ويا أيتها النازكات القادمات توقفن حتى إشعار آخر.