القاهرة - محمد الصادق:
عاد عصفور توفيق الحكيم ليغرد ويحلق في أجواء ندوة بالقاهرة ليستعيد معه الحضور من الباحثين والمفكرين كيف كانت علاقة الحكيم بالغرب؛ تلك العلاقة التي لا تزال حائرة وملتبسة، وتمثل هاجساً في عالم اليوم، وفتحت عنوان معالم في الثقافة. وعقدت الهيئة العامة للكتاب ندوة لمناقشة كتابه (عصفور من الشرق) الذي وصفه النقاد بأنه يحمل بذور رؤية الحكيم للغرب هذه الرؤية التي قال عنها الناقد الأدبي وأستاذ اللغة العربية الدكتور أحمد درويش إنها كانت تمثل حيرة توفيق الحكيم بين حضارته الشرقية التي يثق بأصالتها وفضائلها رغم نقده لها الذي وصل إلى حد الحديث عن غابة على أشجارها قردة تلبس زي الغرب بغير نظام ولا فهم ولا إدراك وبين الحضارة الغربية التي يدرك سلبياتها.
وأضاف درويش أن موقف توفيق الحكيم يختلف عن موقف طه حسين، مشيراً إلى أن طه حسين الموغل في التقاليد الشرقية عندما احتك بالنموذج الغربي فضل التماهي معه، ورأى أن الثقافة الحقيقية أن تعرف اليونانية واللاتينية في حين أن توفيق الحكيم ذا الأصول التركية فضل المزج بين الثقافتين؛ فقد كان في باريس يهتف باسم حاميته السيدة زينب ومثله يحيى حقي.
وعن عصفور من الشرق قال درويش إنها قصة حقيقية لفتاة أحبها الحكيم في باريس، وكانت تبيع تذاكر في شباك أحد المسارح، وكان الحكيم ماكراً لأنه كان يعرف أنه إذا كتب الرواية في ذلك الوقت فسيقولون عنه إنه حكواتي؛ فلم تكن الرواية لها الوضعية التي عليها الآن؛ فهيكل خشي أن يضع اسمه على رواية زينب؛ ولذلك ضمن الحكيم روايته أبعاداً فلسفية وعاد إلى التراث، وكان فيها حوار مع الآخر حتى تأخذ الرواية بعداً مفيداً؛ فتلك الفتاة الفرنسية بواقعيتها كان البطل منبهراً بجمالها من بعيد مثلنا ونحن ننظر للغرب ويستمر الحوار بين واقعية الغرب ورومانسية الشرق حتى تتحول عنده إلى رمز عميق وهي أوروبا وتطور علاقة بطلة الرواية وتدعى سوزان بالبطل مثل تطور علاقة الغرب بنا، وكيف يمكن للغرب أن يوجه إهانات شديدة ثم يعتذر بكلمة رقيقة ثم ينهي الأمر.
وقال الدكتور الباحث الأدبي الدكتور السيد حامد إن كتابات الحكيم هي التسجيل الصادق للواقع ونصوصه سياسية من الدرجة الأولى وأكثر التحاماً بمشكلات المواطن كما أنه لجأ إلى الرمز في معالجة المشكلات؛ ولذلك كان مسرحه يطلق عليه المسرح الذهني أو الفلسفي؛ ولهذا نجد أن توفيق الحكيم قد حقق الواقعية الاسنوغرافية وابتعد عن الأحزاب والأيديولوجيا تفادياً للتأثير عليه؛ ولهذا فكتاباته تميزت بالشفافية.
أما الدكتور عمار علي حسن مدير مركز أبحاث بوكالة أنباء الشرق الأوسط فقد فضل أن يقدم مجموعة رسائل وهي أن الرعيل الأول من مفكرينا ذهبوا إلى الغرب وعادوا رواداً للتنوير ولديهم الاعتزاز بالذات الحضارية؛ فالحكيم كان يحلم بمصر ويعتز بحضارته، وفي زماننا هذا تحول الاعتزاز بالذات الحضارية إما بالتماهي مع الآخر وإما بتحول الأمر إلى قفص يحجبنا عن العالم وأيضا المركزية الأوروبية التي أنا ضدها، وكذلك الحكيم كان ضدها، وينتقدها بشكل غير مباشر في الفن، وأيضاً نتحدث عن حداثة عربية والغرب يقدمها لنا في مسار واحد، ويجب على من يريد أن يتقدم أن يتبع ذلك المسار، والحكيم كان يبحث عن تلك الحداثة بأدوات الشرق مستفيداً من علوم الغرب، وأيضاً الحكيم لم يتعامل مع الغرب باعتباره كياناً واحداً، وهذه مسألة ضرورية لفهم الآخر.
وطرح الباحث عبد العزيز إبراهيم عدة تساؤلات هي: هل هناك حوار حضارات أم صدام؟ ومن يتحاور هل مصر وحدها أم معها العرب، وقال أظن أن مصر عندما تتحاور وحدها مع الغرب ستكون ضعيفة، ولكن كيف نتحد ونحن كعرب لا نعرف بعضنا؛ فمن هم في المغرب لا يعرفون من في المشرق، وقد نادى توفيق الحكيم بأن نتشبّه بالنمل المتعاون المترابط.
وأضاف عبد العزيز: إن بعضنا رفض الغرب وتقوقع على نفسه وكانت النتيجة كارثة مثلما حدث مع المماليك عندما واجهوا الحملة الفرنسية، وهناك فريق آخر رأى أن نرتمي في حضن الغرب بحجة أن كله خير، ولكن لننظر لما حدث لتركيا التي تعاني أزمة الهوية، وأصبحت موزعة القلب بين ماضيها الإسلامي ومستقبلها الغربي، وأكد عبد العزيز أنه لم يعد هناك حوار، كما أنه لم يعد ممكناً، وخصوصاً بعد 11سبتمبر، كما أنه كيف نتحاور مع الغرب، ونحن لا نعرف كيف نتحاور مع أنفسنا؟!