المطلع على التجربة التشكيلية في المملكة العربية السعودية يعلم دور المرأة من خلالها وكيف بدأت مبكرة في هذا المجال بخطوات الرائدتين صفية بنت زقر ومنيرة موصلي عام 1968م، إلا أن نموها التشكيلي من خلال حضورها ومشاركتها بفاعلية لم يتوافق مع قوة هذه البداية، بل جاء متأخراً عن نمو هذا الجانب لدى الذكور، ربما بسبب المعطيات والفرص التي وفرها التعليم والمجتمع للرجل ولم يوفر مثيل لها حينها للمرأة كافتتاح معهد التربية الفنية وأقسام التربية الفنية في الكليات والجامعات بل وحتى الابتعاث للدراسة في الخارج.
تذكرت ذلك وأنا في زيارة لمعرض الأبعاد الثلاثة الذي أُقيم الصيف الماضي بمدينة الرياض، والذي لفت انتباهي فيه تلك التجارب النسائية المميزة في مجال النحت (الأعمال ثلاثية الأبعاد) وأشدد على هذا بسبب تأخر انتشار مجال النحت بشكلٍ عام وتأخر ممارسة المرأة له على وجه الخصوص.
إن حضور مجال النحت بمفهومه الواسع كما رأيناه في ذلك المعرض الذي خصص لهذا المجال، تجربة تأخرت كما أسلفت لأكثر من ثلاثة عقود عن تجربتها الشقيقة في مجال البعدين أو بمصطلح آخر؛ التصوير التشكيلي، ويأتي الاندهاش من هذا التأخر بوصف النحت مجالاً حيوياً من مجالات التشكيل، بل إنه أسبق ظهوراً على خريطة الفن عند بداية ممارسة الإنسان القديم له. وقد يُعزى هذا للاعتقاد الخاطئ المنتشر بتحريم ممارسة النحت لارتباطه بمعتقد المعبودات الوثنية التي كانت منتشرة قبيل الإسلام، مما أدى أحياناً إلى استخدام مصطلح (أعمال ثلاثية الأبعاد) بدلاً من استخدام المصطلح الأشهر لهذا المجال وهو (النحت)، ولكن ظهوره أخيراً بمستوى ينافس فيه العمل الفني ذو البعدين ربما يواسينا عن ذلك التأخير والجهل الذي ارتبط بممارسته.
ولكن مع تأخر قوة وجوده، إلا أن حضور النحت في مثل هذه المعارض أصبح لافتاً للأنظار، والأكثر إثارةً هو وجوده الأنثوي - كما أسلفت - من خلال عدد محدود من الأسماء النسائية لعل أهمها من وجهة نظري تجربتان عكست أعمالهما نضجاً فنياً في الممارسة وابتكارية في الأفكار المطروحة، وأشير هنا إلى أعمال التشكيلية حلوة العطوي التي تمارس النحت على الحجر، والتشكيلية منال الحربي التي تمارس النحت باستخدام خامات مختلفة أهمها الطين الخزفي والبرونز.
وبنظرة سريعة إلى تاريخ هاتين التجربتين نجدها طويلة نسبياً لدى العطوي وتحمل ممارسة مختلفة عما نراه عند كثير من النحاتين ومنهم نحاتو منطقة الدوادمي على سبيل المثال، وذلك في اختيارها المتأني للخامة وفي المواضيع المطروحة التي يغلب عليها الأسلوب التجريدي ولكن برموز مرتبطة بالتراث والثقافة السعودية.
أما تجربة الحربي فهي حديثة نسبياً، ولكنها متميزة أيضا في مصدر الرؤية حيث يغلب على أعمالها الاستلهام من مصدرين، الأول النباتات المجففة بشكلٍ لا يوحي أبداً إلى أصولها وذلك بإبراز جمالياتها التي لم تكن واضحة للعين غير المدربة، أما المصدر الآخر فهو الحرف العربي بأسلوب علمي في التشكيل معتمدة من خلاله على أبجديات هذا المجال. وفي النهاية كلتا التجربتين أثبتتا قدرة المرأة السعودية على خوض مجالات مختلفة وقدرتها أيضاً على ممارسة ما كان يعتقد أنه مناسب فقط للرجال، حيث سمعنا كثيراً خلال السنوات الماضية عدم إمكانية أو عزوف التشكيليات عن ممارسة النحت بسبب صعوبته ومناسبته للذكور فقط. والجانب المضيء هنا أنه ليس فقط إثبات لقدرة المرأة على ممارسة هذا النشاط بل إبداعها من خلال ممارسته لتميز هاتين التجربتين على مستوى النحت السعودي المعاصر، فهنيئا لنا هذا التوجود وأمنياتنا بوجود أنضج وأرقى في جميع مجالات الفنون التشكيلية.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7816» ثم أرسلها إلى الكود 82244