يعتبر مهرجان المسرح هو النافذة الوحيدة والمستمرة التي تجمع جميع المسرحيين السعوديين من مختلف مناطق المملكة، يلتقون فيها ويتبادلون الخبرات فيما بينهم ويشعرون بأنه لا تزال هناك بارقة أمل في أن يحظى هذا الجانب الثقافي المهم بالدعم والرعاية التي يستحقها. ومنذ انطلقت فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الدورة الأولى عام 1405هـ لم يكن للمسرح في هذا المهرجان أي تواجد وإن كانت المظاهر الاحتفالية المسرحية طاغية على جوانب كثيرة منه كالألعاب الشعبية والمدرسة القديمة، وبعض الفنون الشعبية الاحتفالية من مختلف مناطق المملكة.
وفي الدورة الثانية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة 1406هـ وبمبادرة من طاقم مسرحية (عندما يكتب البطل هزيمته) للكاتب سعد الدوسري والمخرج راشد الشمراني عرضت المسرحية عرضاً واحداً بقاعة الاحتفالات بالجنادرية.
وتفاوتت العروض المسرحية التي قدمت خلال الدورات من الثالثة حتى السابعة من دورات المهرجان في العدد والتوجه، فقد قدمت مسرحيات للكبار وكذلك للأطفال، فقدمت في عام 1418 مسرحية حلاوة العلقم لجامعة الملك سعود، وابن السوداء لا يزال حيا لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي عام 1409 قدمت مسرحيات القلوب والحجارة لجامعة الإمام محمد بن سعود، ومسرحية المطاريش لجامعة الملك سعود، وسوق قبة رشيد لجمعية الثقافة والفنون بالرياض، والكرة المضيئة لجمعية الثقافة والفنون بالرياض وفي عام 1410هـ قدمت مسرحيات ديك البحر من إنتاج مهرجان الجنادرية، ومجلس العدل لجامعة الملك سعود ونهاية المباراة لفرقة مسرح الشباب بالأحساء.
ويشكل العام 1413هـ نقلة نوعية في مسيرة العروض المسرحية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة حيث بدأ يأخذ شكل مهرجان مسرحي مستقل بلجانه وفعالياته ليكون أهم رافد من روافد الحركة المسرحية السعودية الناشئة؛ الأمر الذي انعكس فيما بعد على تطور مستوى العروض المسرحية وظهور العديد من الفرق المسرحية الجديدة، وارتفاع في مستوى الأداء التمثيلي لدى الكثير ممن وقف على خشبة المسرح.
وعن سمات العروض المسرحية التي قدمت في (مهرجان مسرح الجنادرية) يقول الكاتب المسرحي فهد الحارثي في كتابه تاريخ الفرق المسرحية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة: (تميزت عروض مسرح الجنادرية بقدرتها على استيعاب جميع المدارس والمناهج والأشكال المسرحية فقدم عليها المسرح التقليدي فكراً وشكلاً وقدم عليها المسرح التجريبي فكراً وشكلاً أيضاً، وبين هذا وذاك قدمت الملحمية والتسجيلية والعبثية والمسرح الاحتفالي حتى المسرح الاستهلاكي بشكله ومضمونه التجاري وجد لنفسه مكاناً وسط هذه العروض). وعلى مدى دورات هذا المهرجان فإن العروض المسرحية التي قدمت ضمن فعالياته قاربت المائتي مسرحية من مختلف المشارب الفنية ومن مختلف مناطق المملكة، تفاوتت في عددها خلال الدورات المختلفة من مسرحية واحدة في المهرجان في الدورة الثانية إلى اثنتين وعشرين مسرحية هذا العام.
الندوات الفكرية والفنية
كان من الدعائم التي ساعدت على تأصيل هذا المهرجان وإعطائه شخصية اعتبارية، هي الندوات الفكرية والفنية التي خصصتها اللجنة العليا للمهرجان حول المسرح، وكذلك الندوات التي أقامتها لجنة المسرح، وهذه الندوات هي:
- الندوة الثقافية الكبرى للمهرجان في العام 1410هـ التي كانت بعنوان (الموروث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في العالم العربي - النص المسرحي)، وشارك فيها مجموعة من أهم رجالات المسرح العربي مثل: الدكتور علي الراعي، والكاتب المسرحي الشهير الفرد فرج، والمغربي عبدالكريم برشيد، وعلي عقلة عرسان، وعلي جعفر العلاق، والدكتور وعزالدين إسماعيل، والدكتور محمد يوسف نجم، وعز الدين المدني، والدكتور عبدالرحمن بن زيدان، والدكتور نعيمان عثمان، وراشد الشمراني والدكتور سعد الصويان، وعبدالقدوس أبو صالح، ونجيب الكيلاني.
- ندوة عن الحركة المسرحية السعودية في عام 1420هـ وشارك فيها نخبة من المسرحيين السعوديين هم: عبدالعزيز عسيري، ومحمد العثيم وفهد الحوشاني، وعلي السعيد، وسمعان العاني، وفهد الحارثي، ورجا العتيبي.
- ندوة بعنوان مسرح الجنادرية والنظرة المستقبلية التي عقدت بمناسبة الدورة العشرين للمهرجان عام 1426هـ وشارك فيها كل من: يوسف الخميس، وعلي الغوينم، وعبدالعزيز السماعيل، وصبحي يوسف وفهد الحارثي، ومحمد الهويمل، ومحمد السحيمي.
تكريم رواد المسرح في المملكة
قام المهرجان خلال دوراته بتكريم عدد من رواد المسرح في المملكة مثل محمد العلي (رحمه الله)، علي إبراهيم، محمد الهويمل، محمد العثيم، سمعان العاني، سعد خضر، فهد الحارثي، محمد رجب، أحمد الأحمري، راشد الورثان، جعفر الغريب، محمد المفرح، مطرب فواز، عبدالرحمن الخريجي، عبد الرحمن العقيل.
الكتب والإصدارات
أسهم المهرجان الوطني للتراث والثقافة بإصدار عدد من الكتب والدراسات القيمة في مجال المسرح والمسرح المحلي على وجه الخصوص ومنها:
- كتاب: مدخل إلى دراسة تاريخ المسرح في المملكة العربية السعودية لناصر بن عبدالعزيز الخطيب.
- كتاب: الندوة الثقافية الكبرى (الموروث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في العالم العربي - النص المسرحي)، حيث نشر في هذا الكتاب وقائع الندوة التي اشتملت على أوراق العمل المقدمة والتعقيبات التي صاحبتها.
- كتاب: معلومات مسرحية من إعداد الفنان محمد المنصور وفيه يقدم بعض المعلومات والتعريفات المسرحية، وكذلك نبذة عن بعض العروض المسرحية وعن بعض كتاب المسرح السعودي.
- كتاب المهرجان الوطني للتراث والثقافة في عيون المسرحيين: حيث يقدم نخبة من المسرحيين السعوديين، آرائهم وتطلعاتهم حول تطوير فعاليات المسرح في المهرجان الوطني للتراث والثقافة.
- كتاب تاريخ الفرق المسرحية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة للأستاذ فهد رده الحارثي الذي يستعرض فيه المؤلف تاريخ العروض المسرحية التي قدمت على مدى دورات المهرجان وسماتها وأثر المهرجان على تطوير أدوات الفنان المسرحية.
- كتاب أوراق مسرحية من إعداد الفنان محمد المنصور حيث يضم هذا الكتاب أوراق العمل التي قدمت في ندوة الحركة المسرحية السعودية.
- كتاب صور من مسرح الجنادرية وهو من إعداد الفنان محمد المنصور أيضاً يقدم فيه رصدا مصورا للعروض المسرحية التي قدمت في المهرجان من مختلف الدورات.
قاعات العروض
احتضنت العروض المسرحية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة عدد من قاعات العرض المسرحي في مدينة الرياض، فأولاً كانت المسرحيات تعرض في موقع فعاليات المهرجان في الجنادرية على مسرح قاعة المحاضرات الكبرى، وفي عام 1418هـ انتقلت العروض إلى مسرح المركز الثقافي الحي الدبلوماسي، وفي عام 1419هـ توزعت العروض بين مسرح التعليم الفني في حي الريان ومسرح مركز الأمير فيصل بن فهد الثقافي بحديقة الفوطة، ثم قدمت في عام 1424 بعض العروض في مسرح مركز الملك فهد الثقافي وفي عام 1426 انضمت قاعة مدارس التربية النموذجية لقائمة قاعات العروض ليقدم عليها عروض الطفل وبعض عروض الكبار.
الجهات والفرق المشاركة
في مهرجان المسرح
جهات مختلفة ومتنوعة شاركت في تقديم عروض مسرحية من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة كان للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بفروعها المختلفة (الرياض، والدمام، والأحساء، والطائف، والقصيم، وجدة، والمدينة المنورة، وأبها، وتبوك، ونجران) نصيب الأسد، بالإضافة إلى مسرح الشباب في كل من الأحساء، والرياض، والدمام، وجدة، ومكة المكرمة.
والجامعات السعودية كان لها حضور قوي حيث تشارك جامعة الملك سعود بالرياض وكذلك فرعها بالقصيم (سابقاً)، وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة القصيم، وجامعة أم القرى.
أيضاً كان لوزارة التربية والتعليم (المعارف سابقاً) مشاركة تمثلت في إدارة التربية والتعليم بمحافظة المجمعة بمشاركة واحدة، وثلاث مشاركات لإدارة التربية والتعليم بمحافظة عنيزة.
الحرس الوطني شارك في إنتاج بعض المسرحيات مثل ديك البحر، كذلك فإن بعض الأندية الرياضية شاركت في بعض الدورات مثل نادي الهلال، ونادي الشباب، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الفنية الخاصة مثل مؤسسة محمد العلي (رحمه الله) ومؤسسة هاي لوك وغيرها. واللافت للانتباه أن هناك مشاركات مسرحية من جهات ليست ذات علاقة مباشرة بالمسرح مثل الكلية الصحية بالرس، ومستشفى الملك فهد للحرس الوطني ومحافظة الدوادمي، وإمارة منطقة الجوف؛ لذلك فإننا نرفع لها الأيادي تحية وتقديرا لمساهمتها في دفع النشاط المسرحي للأمام وإتاحتها الفرصة للمسرحيين في مناطقها أن يقدموا تجاربهم. واليوم تأتي وكالة وزارة الإعلام للشؤون الثقافية لتسهم أيضاً في تقديم أول عروض هذا العام بمسرحية.
مهرجان عروض الطفل
في العام الماضي استحدثت لجنة المسرح مهرجاناً مصاحباً للفعاليات هو مهرجان مسرح الطفل بالجنادرية وقدمت فيه سبع مسرحيات، وهذا العام تأتي الدورة الثانية لهذا المهرجان حيث ستشارك حوالي ست مسرحيات أيضاً.
لجان التنظيم في المهرجان
في الدورة الثالثة للمهرجان أسندت مهمة تنسيق العروض المسرحية للأستاذ سمعان العاني والأستاذ عادل سلامة، وفي الدورات التي تلتها شكلت لجنة باسم لجنة المسرح بالمهرجان وتكونت برئاسة الأستاذ عبدالرحمن العقيل وعضوية الأساتذة محمد العثيم وصالح الصقعبي وأنور عثمان وعبدالله المزيني.. وفي عام 1417هـ أعيد تشكيل اللجنة برئاسة الأستاذ علي المشوح وعضوية الأساتذة صالح الصقعبي ومحمد المنصور وأنور عثمان وفيصل البسام. وفي عام 1419 أعيد تشكيل اللجنة مرة ثالثة برئاسة الأستاذ محمد المنصور وعضوية كل من محمد الحلوان، ومرزوق الغامدي، وسلطان النفيسة، وعبدالله الربيعان وسعد الصقعبي وحسين العطروزي.
المحطة الأولى للتمثيل الخارجي
كان مهرجان المسرح بالجنادرية و لا يزال فرصة رائعة لا تتكرر للمسؤولين عن المسرح في المملكة سواء في جمعية الثقافة والفنون ورعاية الشباب (سابقاً) ووزارة الثقافة والإعلام حالياً، لمشاهدة أكبر عدد من العروض المسرحية وفي مكان واحد دون الحاجة للسفر والتنقل، وهذا جعل عملية اختيار وترشيح الأعمال التي تمثل المملكة في الخارج أكثر سهولة والنظرة إليها تكون بشكل عادل، وقد كان المهرجان المحطة الأولى للعديد من المسرحيات التي مثلت المملكة بشكل مشرف وقدمت صورة مشرقة عن واقع المسرح في المملكة العربية السعودية مثل: ديك البحر، الفنار، حلم الهمذاني، الزاوية المظلمة، ارتكاس، بازار، سفر الهوامش، الناس والحبال، السمفونية، موت المغني فرج، الباب الآخر، البرواز، طرفة على الجسر وغيرها من العروض.
وختاماً لا نزال ننشد ونطمع في أن يكون مهرجان المسرح في المهرجان الوطني للتراث والثقافة تظاهرة ثقافية واجتماعية كبرى، وأن تحظى لجانه بالدعم والمؤازرة مادياً ومعنويا أكبر مما هو متاح لها.